الإعفاءات الجائرة دلالة ضعف لا قوة
من يخترق القانون:
لا يجوز لأي مؤسسة في الدولة كيف ما كان نوعها أو رتبتها الحكومية أو السلطوية أو السياسية سوى مؤسسة القضاء أن تقضي في مآلات الانتماء لجماعة العدل والاحسان، ولا يجوز لأي وزارة أو جهة حاكمة أن تقدم تهما ملفقة بسبب الانتماء للعدل والإحسان دون حسمها في دواليب القضاء التي شرعها القانون.
الدولة لها مؤسسة القضاء هي التي لها القرار بالتقديم والتوقيف وقبول الاتهام أو غير قبوله، وعرضه للمحاكمة بشكل قانوني ومعترف به محليا ودوليا، أما أن تقدم مجموعة استخباراتية بالانتقام السياسوي والتغول السلطوي على المواطنين المغاربة بطريقة تعسفية في شكل عملية الإعفاء التي طالت كوادر وأطر العدل والإحسان مؤخرا، فهذا عمل مشين وغير مسبوق ولا يستند إلى أي شرعية محلية أو دولية ومخالف لكل القوانين المتفق عليها عالميا.
مع العلم أن العدل والإحسان جمعية قانونية بكل معايير الأحكام القانونية التي اعترف بها في المحاكمات التاريخية. وللتفصيل نورد ذلك في تعريف عن هذه الجمعية التي عرفت بجماعة العدل والإحسان. العدل والإحسان جمعية قانونية هي جمعية تأسست سنة 1983 تحت اسم “جمعية الجماعة الخيرية” التي شعارها العدل و الإحسان في إطار ظهير 15 نونبر 1958 ، إذ تم التصريح بملف الجمعية لدى السلطة المحلية بمدينة الرباط ، كما تم الإشهاد بإيداع نظير من الملف لدى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالرباط حسب الوصل رقم 48/83 ، و من تم فإن جماعة العدل والإحسان استنفدت جميع إجراءات التأسيس كما هو منصوص عليه في الفصل 5 من ظهير 15 نونبر 1958 المومأ إليه أعلاه.
ولتبيان مشروعية الجماعة القانونية جليا نعرض هنا أحد نماذج القرارات و الأحكام التي تكشف صحة ذلك قانونيا إثر محاكمة أعضاء جماعتها بسبب انتمائهم لجماعة غير مصرح لها حسب دعاوي الداخلية تزييفا وبهتانا. القرار عدد 1871 الصادر عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة بتاريخ 24 أبريل 1990 الذي جاء في إحدى حيثياته: “حيث إنه من التابث من أوراق الملف أن الجمعية المذكورة قد قامت بإيداع نظامها الأساسي بكتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بالرباط بتاريخ 26/4/1983 حسب الوصل المسلم بنفس التاريخ و ذلك طبقا للكيفية المنصوص عليها في الفصل الخامس من ظهير 15/11/1958 الأمر الذي يفيد بأن تلك الجمعية قد أنشئت بكيفية صحيحة و تمارس نشاطها في ظل من المشروعية الواضحة تزكيها المقتضيات القانونية المشار إليها ، و يدعمها نظامها الأساسي الذي تم الإعلان عنه و إيداعه وفق مسطرة سليمة”.
فالعدل والاحسان منذ أربعين سنة وهي مضطهدة ومحاصرة وتتهم بتهم زائفة وأقوال ملفقة تنسج ظلمة في جماعة متحكمة في البلاد نهبا وفسادا، لكن تجد هذه التهم نفسها مفضوحة ومكشوفة حين ما تعرض على القضاء مما يضفي الشرعية الكاملة على أعضاء العدل وإحسان من خلال عشرات الأحكام التي أصدرتها المحاكم المغربية والمجلس الأعلى للقضاء. وتتكرر التضييقات اليوم في صفة الإعفاءات الجائرة لعشرات الموظفين بتهمة الانتماء لجماعة العدل والإحسان دون سند قانوني وضربا لكل المساطير القانونية المعترف بها.
الإعفاءات تغول سلطوي وانحسار ديمقراطي:
إن عملية الإعفاءات الجائرة التي مورست على أعضاء العدل والإحسان دون سند قانوني تهوي بالديمقراطية إلى الانحسار المجهول والأفق الديمقراطي الضيق، الذي يؤصل لحكم أحادي الوجهة، وقوة أرادت أن تتحكم في ثروات البلاد دون أن يزعجها غريب، أو يكشف مثالبها أي مواطن سواء كان فردا أو جماعة أو جمعية أو مؤسسة تتحدث عن مصلحة البلاد ومستقبلها وترجو محاسبة الحاكمين ومراقبتهم. الإعفاءات المخزنية من الوظائف بشكل مقصود والذي وصل إلى مئة وخمس موظف أعفي من مهامه أو مصلحته دون سند قانوني، هو تغول لطغمة فردية محدودة استبدادية في الشطط السلطوي، و خرق سافر للتشريع المغربي المنصوص عليه والمنشور للعموم. واعتبر أن قرار الإعفاء الجماعي للأطر التربوية والإدارية في مختلف الوزارات بناء على خلفية انتمائهم لجماعة العدل والإحسان قرارات إدارية غير قانونية وعادلة لأنها بمثابة انحراف وشطط فاضحين لاستعمال السلطة بعيدا عن المصلحة العامة.
دوافع التضييقات والإعفاءات
قلت التضييقات لأنها سبقت الإعفاءات تاريخيا، وقلت التضييقات لأنها طالت جميع الشعب وأعفت الشعب قبل ذلك من كل مكتسباته وحقوقه منذ سنين بل و قرون، وهي تضييقات على الشعب برمته وبمؤسساته الناشطة وجمعياته وناشطيه وأطره فالكل كان مستهدفا. وهذه الإعفاءات الجائرة التي هي جزء من التضييقات على الشعب وفضلائه، وجزء من التسلط الوحدوي الانفرادي، إن دلت على شيء فهي مؤشر على دوافع دفينة اعتبرها عقدة نفسية تاريخية تدفع النظام لنهج استبداد انتقامي إقصائي عنصري، وخلق تأزم ممنهج ومقصود غير عقلاني يهوي بصاحبه في حافة الانهيار والتدهور .وأهم هذه الدوافع :
-الدافع النفسي : و أساسه عقدة داخلية مرضية مردها الخوف والجبن الشديد والهلع المفرط من الحرمان من هذه المكاسب والثروات المجانية التي لا يحاسبها عليها النظام، لكن يحاسب عليها من كشفها وفضحها وطلب الحق فيها وتوزيعها على الشعب، وهذا نابع من الجشع على السلطة والثروة الذي يصور صورة خيالية للنظام والطغمة الحاكمة أن المغرب هو ضيعته وأن الشعب بكل أطرافه ومكوناته همج رعاع ومكون زائد ليس إلا.
– الدافع السياسوي : وهو دافع منحسر ومنحط، أصله قرارات حاكمة أحادية فردية تخرج من فئة حاكمة تضرب بمؤسسات الدولة عرض الحائط، لا تخرج قراراتها السياسية إلا عن دائرة رد الفعل ضد من هم أرباب وأصحاب الفعل من أخيار الشعب وأحراره. فالاختناق السياسوي التاريخي والانحسار الديمقراطي المجهول والجهل بتدبير العملية السياسية يوقع النظام في أخطاء سياسية شائعة، وتزل به قدم الغباء السياسي في مزالق عميقة تفتقر إلى أبسط أبجديات السياسة والتدبير .
– الدافع العنصري : وهذا الدافع من الدافعين السابقين، فإن الدوافع والأسباب السابقة بطبيعة الحال تورث في عقلية قانون الاستبداد عنصرية فردانية، وعقلية انتقامية، تنهج نهج المستبدين العالميين وتنفخ في كير الكبرياء والغطرسة حين يضيق بهم المسار وتنكشف ألاعيبهم أمام الشعب فينحسروا في عنق الزجاجة.
ولن يكون رد فعل الاستبداد إلا حالة هيستريية انتقامية تقوم على الإقصاء والتمييز العنصري. لذلك زلت قدم النظام حين أقدم بغيا على الإعفاءات الجائرة في حق من ينتمي إلى العدل وإحسان، وهو انتقام ليس من أشخاص أو جماعة بل ومن الشعب ومن مؤسساته الفاعلة، وهو مؤشر على تطرف الدولة والإدارة الفاسدة في فرض قوتها ووجودها على تصورات الناس رغم انسجامها مع أحكام القانون ولم تخرج عن العدالة.
-الدافع الخارجي : وأظن أن الشعارات الدولية للاستكبار العالمي التي يطلقها ساعة بعد ساعة رواد التطرف اليميني خصوصا من أجل اقتلاع كل بواعث ومصادر الحراك والتغيير أو ما يسميه هو التمرد والتطرف هي دوافع تشجع النظام المغربي وغيره من الأنظمة العربية المستبدة لانتهاز الفرصة للضرب على كل المنغصين وكل من أراد تغييرا أو إصلاحا يهدد مصالح الداخل والخارج.
خاتمة
ما أقدم عليه جهاز الدولة مؤخرا من إعفاءات جائرة وقبلها من تضييقات تعسفية شططية هي وظيفة نظام كشر عن أنيابه، و أراد أن يلملم أوراقه التي بعثرت بعد اندلاع الربيع العربي و في أحداث عشرين فبراير، ويروم إلى استعادة هيبته التي تهاوت وانحدرت مذ سنين.
إن ما أقدم عليه النظام المغربي من إعفاءات هي عنصرية انتقامية عرجاء قائمة على الفصل العنصري التمييزي، وهو فصل مكون عن مكون آخر كي لا يؤثر فيه، هو فصل العدل والإحسان وغيرها من المؤسسات التغييرية والفاعلة عن مكون الشعب وهمومه وفضلائه وأطرافه تواصلا وحوارا وانسجاما.
و لا أعلم لماذا ينزعج النظام من هذا التواصل والتناغم بين مكونات الشعب بمختلف مشاربه، مع أنه فعل منطقي اجتماعي يخدم مصلحة الوطن ومستقبل الشعب المغربي ؟