مقالات

فواصل.. العبث السياسي

ثلاثة أشهر مرت على واقعة السابع من أكتوبر، أقول واقعة لأنها كانت فعلا كذلك، بحيث تم تجييش قُدُرات مهمة للدولة، البشرية منها والمادية من أجل الظفر بنتائج انتخابية مُريحة كان من المؤمل منها عدم الوصول إلى ما نحن عليه اليوم من عبث.. ولعل ما كان خيرا هو “مصداقية” النتائج التي خرجت من صناديق الاقتراع، والتي فاجأت السلطات الحاكمة، على الرغم من ضآلة المشاركين في العملية الانتخابية، إذ كان أكبر حزب مُشارك هو حزب المُقاطعين.

اليوم، وبعد مرور الثلاثة أشهر، ظهر جليا ما أصبح يُصطلح عليه بـ”التحكم”، الإسم الذي جاء مُرادفا لـ”العفاريت” و “التماسيح” إبان فترات حكومة بنكيران الأولى والثانية بعد التعديل.. ليصير الآن مصطلحا سياسيا يُظهر بجلاء أن الديمقراطية ماهي سوى تمويه ذهب ضحيته من لطخ أصبعه بمداد “الديمقراطية”.

فبغض النظر عمن حصل على المراتب الأولى حسب “ديمقراطية” الصناديق، وبعيدا عن تفسيرات المحللين وتكهنات المتتبعين للشأن السياسي الداخلي، ظهر فعلا أن التحكم والانبطاح، صارا معا عُملة سياسية ينطبق عليها القول العامي المأثور: “دخول الحمام ماشي بحال خروجو”. لاحظنا جميعا كيف انقلبت المعادلة الحسابية، وكيف صارت الأرقام تتلاعب وتتشكل لتخرج بمعادلات جديدة غير منطقية، كما لاحظنا بالمقابل عدم قُدرة رئيس الحكومة المُعين منذ اليوم الأول، للحسم في تشكيل حكومته من أغلبية كانت مُتاحة، ولو غير مُريحة عدديا، دون اللجوء إلى المُعادلات المُتحكم فيها. وبالتالي ظهرت اللعبة وكأنها فصل من فصول المسرحية “الساخرة” التي تسخر من القلة القليلة التي آثرت الذهاب إلى صناديق الاقتراع، والتي صوتت، سواء عن اقتناع بالتغيير، أو تلك التي أُجبرت تحت أوامر السلطة أو منفعة المال.

اليوم، بتنا أمام تحكم ظاهر، علني أمام الملأ، ظهر فيه ذووا النفوذ الاقتصادي بالإنابة عن السلطة السياسية المُتحكمة والنظام السياسي المتحكم في العملية برُمتها، بدءا من التشتت الحزبي الذي يؤدي إلى البلقنة، ثم التقطيع الانتخابي، إلى النظام الانتخابي برمته مع نمط الاقتراع، إلى التمويل، إلى نسبة العتبة المفروضة..

عوامل كلها لا يمكنها إلا أن تؤدي إلى العبث السياسي. سيُلاحظ المُتتبع للوضع السياسي المغربي الراهن، أن هناك مُفارقة بين الخطاب وبين الممارسة، مُفارقة بين الوثيقة الدستورية لسنة 2011 والممارسة الفعلية لرئيس الحكومة الذي يتنازل في كل مرة لصالح لوبيات الفساد، مرة بـ”عفا الله عما سلف” التي وإن جلبت بعض الدراهم لخزينة الدولة، لكن مردوديتها السياسية والأخلاقية لم تُعط للمشهد السياسي سوى المزيد من الإفلاس. أضف إلى ذلك الاستسلام الواضح لقوى التحكم التي تريد حياكة مشهد سياسي جديد على مقاس السيطرة السياسية والاقتصادية، إن داخليا أو خارجيا.

يجب القول وبصريح العبارة، إن المغرب يجتاز في الظرفية الحالية، مرحلة سياسية واقتصادية بالغة التعقيد والأهمية، مرحلة تتسم بعدم الاستقرار المجتمعي والسياسي، وإن كان الأمر ظاهريا يُظهرُ عكس ذلك.. هناك التخبط السياسي، تنامي الدين الخارجي، الهوة العميقة في الفوارق الاجتماعية، تبني إجراءات وتدابير اجتماعية تزيد من تعميق جُرح المواطن البسيط وطموحه في العيش الكريم، مأسسة وتدبير وتشريع مُحكم في صالح النظام السياسي…

ففي غياب المُحاسبة السياسية، لن يستطيع أيا كان تثبيت المفهوم الصحيح للديمقراطية، ولن نصل إلى مستوى إقناع المواطن بالتغيير. هناك تحديات مُجتمعية، لا محيد عنها، ذات الأولوية بالنسبة للمواطن، أما الصراعات السياسية الحزبية فلن تعدو كونها إحدى تمظهرات الواقع السياسي البئيس.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى