عن الحوار نُدندن
كثُر الحديث عن الحوار، ومُرتكزات الحوار، وأدبيات الحوار، وحدود الحوار، والتوافق من عدمه على الحوار، وقبول أو إقصاء الحوار، وعن أهلية من عمن المُفترض منهُ الحوار…
قُلتُ في قرارة نفسي: لماذا وُجد في الأصل الحوار؟ أليس بسبب وجود ما يستدعي للحوار؟ بمعنى وجود اختلاف يتطلبُ حوارا سيُفضي إما لحل الخلاف أو على الأقل لتوضيح وجهات النظر! فهل الاختلاف يُتعاملُ معه بالإقصاء؟ ألا يجدر بالجميع التعامل على أساس “رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيُ غيري خطأ يحتمل الصواب”؟ وماذا لو عكسنا المبدأ وقلنا: “رأيي خطأ يحتمل الصواب ورأيك صحيح يحتمل الخطأ”؟ ألن تكون مائدة الحوار هي المرتكز الأساس لتبديد الخلاف أو الاختلاف، بدون مشاحة في الاصطلاح؟ أليست هناك مُطارحات فكرية ومُراجعات واجتهادات؟ هل العقل البشري خُلق ليكون أو ليبقى مُتحجرا دون أخذ بعين الاعتبار المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والجيوستراتيجية؟ إذا كان الأمر يتعلق بمصلحة الوطن وبمصلحة المواطن، فكيف لا نستسيغ فكرة ولو بصيغة النقد، النقد البناء طبعا؟ كيف لنا أن نبني مجتمعا يسوده الاحترام المتبادل دون تخوين أو تجريح أو تنقيص أو ازدراء لفئة دون أخرى؟ كيف لنا أن نمضي قُدُما في التعايش والاجتماع على ما يُمكن الاجتماع حوله إن لم يكن ذلك بالحوار؟ وهل تطور المجتمعات وارتقاؤها يمكن أن ينحصر على الفكر الأحادي؟ ألم يكن الحوار مطلبا إنسانيا بمفهومه الكوني الحقوقي المُعبر عنه بحرية الرأي والتعبير؟ ألم يكن الحوار منذ الأزل وسيلة اتصالية تواصلية بين الإنسانية جمعاء؟ لماذا يُظهر البعض امتعاضه مادام الهدف هو الوصول إلى الحقيقة، حقيقة معرفة الآخر ولكي يكشف كل طرف ما خفي عند الآخر؟ ما السبيل للوصول إلى الحقيقة النسبية مادام لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، ألم تكن القيم الكونية الكبرى محددة لكل المرجعيات بدون إقصاء، وبالتالي فلا إقصاء هنالك إلا من مارس الإقصاء على نفسه؟ وحتى إن وُجد هنالك جدال، وحتى إن سلمنا جدلا بوجود فرق بين الجدال والحوار، فلا يمكن لأي كان تجاوز الجدال إلا بالحوار.
إن المُجتمعات التي تبني كينونتها على قطيعة الآخر، حتما هي سائرة في طريق التناحر بله التنافر.. لذلك، وجب تبني الحوار ولو كضرورة استراتيجية، وإن كان في الأصل ضرورة مُلحة بين مختلف الأطياف السياسية، لمناقشة ومدارسة نقط الاختلاف، والعمل إلى المُضي قُدُما على طريق المتفق عليه، ولم لا البحث عن المُشترك..
والمُشترك بين الجميع هو كرامة المواطن، بعدها يمكن مناقشة تفاصيل كل الاختيارات والطروحات الفكرية والسياسية والتدبيرية التي تُسعفُ اليساري واليميني والاشتراكي والحداثي والأمازيغي والإسلامي، مادام الجميع متفق على تحقيق الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.. ليس هنالك أي فكر مُطلق، بل يجب أن تقتنع جميع الأطراف بنسبية فكرها وتوجهاتها وأطروحاتها السياسية، قناعة راسخة، وحتى إذا حصل العكس، فلن يكون المخرج أيضا من المأزق سوى بالحوار الذي يُبدد كل سوء للفهم.