الانتخابات بالمغرب وسؤال الديمقراطية
أولا: تقديم .
شكل مفهوم الانتخابات الديمقراطية محور اهتمام العديد من الباحثين في العلوم السياسية، الذين تعددت تعريفاتهم للمفهوم والتي لم تتفق على تعريف حدي موحد.
غير أن الترتيب المنهجي لشروط النظم الديمقراطية الذي وضعه “روبرت دال” يتضمن تعريفا دقيقا للانتخابات، حيث أكد على ضرورة أن يسبق إجراء تلك الانتخابات مجموعة من الحريات والحقوق الديمقراطية، معتبرا أن الترتيب المنطقي لبناء نظام ديمقراطي يأتي على النحو التالي:
1ـ حرية الحصول على المعلومات من مصادر متعددة.
2ـ حرية التعبير.
3ـ حرية التنظيم وتشكيل مؤسسات مستقلة.
4ـ إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
فالانتخابات الحرة والنزيهة هي ذروة الديمقراطية وليس بدايتها. [1]
ثانيا. شروط الانتخابات الديمقراطية:
يمكن حصر شروط الانتخابات الديمقراطية في محصلة ما توصل إليه “ديفيد باتلر” في أدبياته العلمية التي تعنى بالديمقراطية والانتخابات، حيث ذهب إلى أن الانتخابات العامة الديمقراطية تستند إلى شروط ستة هي:
1. حق التصويت العام لكل المواطنين البالغين.
2. دورية الانتخابات وانتظامها.
3. عدم حرمان أي جماعة من تشكيل حزب سياسي ومن الترشح للمناصب السياسية.
4. حق التنافس على كل مقاعد المجالس التشريعية.
5. حرية إدارة الحملات الانتخابية على وضع لا يحرم فيه القانون ولا وسائل العنف المرشحين من عرض آرائهم وقدراتهم ولا الناخبين من مناقشة تلك الآراء.
6. تمكين الناخبين من الإدلاء بأصواتهم وسط جو من الحرية والسرية وفرز الأصوات وإعلانها.[2]
ثالثا. معايير الانتخابات الديمقراطية:
إن الانتخابات ليست هدفاً في حد ذاتها، وإنما هي آلية لتحقيق مقاصد أسمى وما يترتب عن ذلك من نتائج حقيقية ملموسة، لأجل ذلك لابد من توفر معيارين أساسيين لتحقيق انتخابات ديمقراطية:
- معيار “حرية” الانتخابات المتمثل في:
- احترام مبدأ حكم القانون.
- احترام مبدأ التنافسية.
- ضمان حريات المعرفة والتعبير والاجتماع والإعلام.
- حرية تشكيل المنظمات السياسية المستقلة عن السلطة التنفيذية.
- معيار “نزاهة” الانتخابات القائم على:
- حق الاقتراع العام.
- تسجيل الناخبين بشفافية وحياد.
- الحياد السياسي للقائمين على الانتخابات.
- قانون انتخابي عادل وفعّال.
- دورية الانتخابات. [3]
رابعا. الانتخابات بالمغرب وسؤال الديمقراطية:
تأسيسا على ما سبق و استنادا إلى مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطة، هل ترتكز الانتخابات بالمغرب على الأسس الديمقراطية التي تضمن تمكين المواطنين من المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية من جهة، وتنظيم علاقة المؤسسات المنتخبة بالمواطنين من جهة ثانية، واستقلالية اتخاذ القرارات من جهة ثالثة؟
1 ـ انتخابات في ظل دستور يكرس الاستبداد نصا وممارسة:
يكاد متتبعو الشأن السياسي المغربي يجمعون على أن الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر المقبل لن تكون إلا رقما مضافا ل 30 اقتراعا منذ 29 ماي 1960، بالنظر إلى ما راكمه المخزن من فشل في تسويق وهم انتخابات حرة يثق المغاربة في نزاهتها ومخرجاتها. فرغم ما دبج من شعارات “الاختيار الديمقراطي” و “ربط ممارسة السلطة بالمحاسبة” في نص دستور 2011 الممنوح، إلا أن الواقع لا يرتفع، واقع أصبح حافلا بوسائل إيضاح تفضح مناورات المخزن الرامية إلى تزيين صورة الاستبداد والفساد وإضفاء الشرعية على مؤسساته الصورية التي تتناوب على خدمته.
فالدستور المغربي المؤطر للانتخابات مفتقد للشرعية “باعتباره دستورا ممنوحا، أُقر باستفتاء يفتقد لمعياري الحرية والنزاهة. وبالنتيجة، فقد رسخ هذا الدستور الممنوح ميل وجنوح الكفة لصالح المؤسسة الملكية؛ وثَبَّتَ بذلك قاعدة من قواعد أصول الدستور الملكي المغربي لا تقبل النقاش ألا وهي احتكار الملكية لأهم السلط والصلاحيات، لتصبح المؤسسات الأخرى، كما كانت في السابق، تابعة للمؤسسة الملكية، تأتمر بأمرها، وتنتهي بنهيها، بل تستنكف عن ممارسة حتى تلك الصلاحيات المحدودة التي أقرها لها هذا الدستور. ورغم محاولات تهريب النقاش لينصب على ما اصطلح عليه بتأويل الدستور وضرورة ارتقاء الطبقة السياسية إلى حسن تنزيل مقتضياته من خلال الممارسة الديمقراطية، ظل الاختلال الأساسي في المتن الدستوري والنص نفسه، وهو ما برز بشكل واضح من خلال تنامي الأصوات التي تسائل الكثير من مواد الدستور وفصوله (كتعارض صفة “البرلمانية” التي منحها الدستور للملكية مع رئاسة الملك لمجلس الوزراء الذي يحسم في القضايا والمشاريع الاستراتيجية وحتى القطاعية أحيانا… وكذا اختيار الملك لنصف أعضاء المحكمة الدستورية الستة ورئيسها…
إن ما سبق يؤكد أن نصا دستوريا غير ديمقراطي، وأن تأويلا وتفعيلا ينهلان من نفس المعين ويُداران بنفس العقلية الاستبدادية، تؤدي إلى نتيجة واحدة مفادها أن المؤسسات المنتخبة لا تعدو أن تكون مؤسسات صورية تُحال إليها أدوار ثانوية وتكميلية في مشهد سياسي رسمي مغرق في العبث”[4]
2ـ انتخابات في ظل استقرار سياسي مزعوم وواقع اجتماعي متأزم :
باستقراء الشروط السياسية والاجتماعية التي تؤطر المشهد السياسي عامة والانتخابي خاصة، فإن الواقع السياسي المغربي يعيش أزمات بنيوية عميقة نتيجة الحكم المخزني المهيمن على السلطة والمحتكر للثروة والقامع لكل صوت حر.
“…لقد كان من اللازم كمقدمة لإجراء انتخابات تعتبر ذات مصداقية، وقف الإجراءات التقشفية التي تستهدف القوت اليومي لأوسع الجماهير الشعبية ووضع حد للقمع الشرس المسلط على القوى والفئات المناضلة وتصفية الأجواء السياسية بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والنقابيين فضلا عن معالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا بدءا بالاعتذار الرسمي لرئيس الدولة والالتزام بعدم التكرار ومعالجة ملفات الاختفاء القسري وتسليم الرفات وإجلاء كل الحقيقة حول المختطفين ومحاكمة المجرمين وإبعاد المتورطين في الجرائم السياسية والاقتصادية من مواقع المسؤولية ومن جميع الاستحقاقات الانتخابية”[5]
“… إن المناخ السياسي المغربي مند الاستقلال إلى اليوم يعاني من اختلالات سياسية بنيوية كبرى باعتبارها نتيجة منطقية لنظام حكم استبدادي. وقد أكدت تجربة الخمس سنوات الماضية تزايد تلك الاختلالات وتفاقمها مما يؤثر سلبا على كل عملية انتخابية ويفرغها من تنافسيتها وفاعليتها وجدواها. وفيما يلي غيض من فيض لتوضيح ذلك:
أفرزت قواعد اللعبة السياسية “ديمقراطية” مغربية جد موجهة وجد مقننة، كرّست بشكل قانوني وسياسي غير سليم هيمنةً سلطويةً للمخزن داخل النسق السياسي المغربي على باقي الفاعلين؛ حيث لا يوجه النقد للمؤسسة الملكية، ولا حتى لمحيطها، وإنما لسلوك الحكومة وحدها، علما بأن الصلاحيات الحقيقية هي بيد البلاط الملكي لا بيدها. أما الأحزاب السياسية فهي لا تسعى إلى الحكم لكي تحكم كما هو الشأن في البلاد الديمقراطية، وإنما لتشارك فقط في هامش من السلطة ضيق جدا وفي نطاق مؤسسات دستورية صورية. وقد لاحظ الجميع أن الحكومة التي تشكلت عقب إقرار الدستور الجديد زهدت حتى في بعض صلاحياتها المحدودة أصلا.. إن طبيعة هذه المؤسسات لا يمكن إلا أن تكون منسجمة مع طبيعة الانتخابات الصورية التي تفرزها…
بعد مرور خمس سنوات على دستور زعم مؤيدوه أنه فاتحة خير اقتصادي واجتماعي على الشعب، لا تزال مجموعة من التقارير، بما فيها تقارير مؤسسات رسمية، تتحدث عن تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالبطالة عرفت تزايدا واضحا، ومديونية الدولة بلغت مستويات تنذر بالخطر، وأسعار الكثير من المواد عرفت ارتفاعا صاروخيا في ظل قدرة شرائية ضعيفة لأغلب المواطنين. وزاد من حدة ذلك الاقتطاعات الشهرية للموظفين والعمال بسبب ممارستهم لحقهم في الإضراب، وتوالي مظاهر انتهاك حقوق الشغيلة وإغلاق المعامل وتسريح العمال، وغياب شروط السلامة والصحة واحترام الحق في الحماية الاجتماعية والقانونية. وتراجع بشكل واضح دور الدولة في تحسين الخدمات العمومية في كثير من المجالات”[6]
- خاتمة:
من حكم التاريخ أنه وإن كان يقر أن للاستبداد مهلة يستمتع فيها بضع سنين، إلا أن وقائعه وشواهده تثبت أن إيمان الأحرار بالحق والحرية والعدالة الاجتماعية لا يمهل أكثر.
ومن المؤكد أنه عندما يعلو القانون فوق الحاكم والمحكوم، نكون إزاء دولة الحق والقانون والمؤسسات المستقلة وتتحقق المواطنة على أساس الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
————————————————–
[1] “المعارضة السياسية في الديمقراطيات الغربية“، روبرت دال .(Robert A. Dahl)، بتصرف.
[2] تقرير المنظمة الدولية “بيت الحرية” الصادرة عام 2006.
[3] ورقة بحثية بعنوان “مفهوم الانتخابات الديمقراطية” للدكتورعبد الفتاح ماضي، بتصرف.
[4] مقتطف (1) من وثيقة جماعة العدل والإحسان التي تدعو فيها إلى مقاطعة انتخابات 7 أكتوبر.
[5] مقتطف من مذكرة حزب النهج الديمقراطي: “لماذا نقاطع الانتخابات البرلمانية ليوم 7 أكتوبر 2016 ؟”
[6] مقتطف (2) من وثيقة جماعة العدل والإحسان التي تدعو فيها إلى مقاطعة انتخابات 7 أكتوبر.