أراضي زعير..وولاء مزيف
ما كشفته وثائق مسربة من ريع ولاة ومستشاري الملك ووزارئه بالمغرب ، أو مازال منها من امتيازات واستفادات خارج القانون ، مخفيا عن وسائل الإعلام أن تصله ، ليس إلا جزءا من منظومة ونسق سياسي يسير به البلد ، الريع والمحسوبية والزبونية والانتهازية والمكافأة تشكل أسس بنيته منذ الاستقلال “الصوري” إلى الآن.
ولا تحدثني عن معيار الكفاءة والجدارة والاستحقاقوالقانون .
وقس على هذا ، ملف الصحراء ، الذي أتغم جمعويوهوانتهازيوه بكل أنواع الكرم السخي دون أن يصل حلا أو يبعث على ولاء وطني مريح ، وبنيت مدن فوق الرمال دون جدوى .
القضية التي يراد لها أن تظل تلك الفزاعة المغربية التي ترفع وقت الأزمات ، وتحتكر معلوماتها جهات تسير بالمغرب نحول المجهول وتدحرجه إلى الكارثة . جهات لها خطابين ووجهين ، واحد تجالس به عصابات تندوف في الأمم المتحدة وتحاورهم وإن كان بشكل غير مباشر بما يعد اعترافا وكيانا له ناطقون ، وتعرض عليهم الحكم الذاتي ، والثاني داخلي، يقاطعهم ويعتبرهم كيانا وهميا غير موجود !
وانتظرنا في ملف ما بات يعرف بخدام الدولة ، لنكذب أنفسنا ونصدق الشعارات الرسمية البراقة من ربط المسؤولية بالمحاسبة ، فخرج علينا بيان وزيري الداخلية والاقتصاد محمد حصاد ومحمد بوسعيد المشترك يوم الأحد التاريخي ، دفاعا عن والي الرباط، ليكون تأكيدا رسميا عن ما نعيشه ، دون أن يحس مسؤولونا بالخجل .وهو ما جر عاصفة من الغضب والسخرية والتصريحات بمواقع التواصل الاجتماعي و فتحت صفحة لذلك و انطلقت حملة واسعة .
أن يستفيد مسؤول مغربي اسمه عبد الوافي لفتيت، بتفويت مساحة أرضية بحوالي 350 درهما للمتر المربع ، دونا عن باقي المواطنين ، كما هو حال بقية لائحة 60 شخصية ، خرجت إلى الخبر فيما بعد، لهو أمر صار طبيعيا في دولة الأصل فيها هو الفساد المقنع والمحمي والمرعي ، والنقاء صار استثناءا بل وإنجازا .
ويا ليت الأمر وقف عند هذا الحد ، بل تعداه أن يصبح لدينا ما عبرته عنه قناة الشاهد الالكترونية لمغربية بنظام الفضائح ، لانكاد نخرج من ملف إلا وغمرنا آخر ، فمن وثائق بنما ، إلى زبل الطاليان ، وقبلهم تسريب امتحانات البكالوريا ، إلى ما نرى ونسمع هذه الأيام ، دون أن يفتح تحقيق أو يحاسب مسؤول وليزداد الشعب فقرا وتنزل القرارات تباعا .ليأتي الخطاب الرسمي بعد كل هذا ، ويقول أن لا أحد معصوم من الفساد إلا الأنبياء والرسل والملائكة ، قوموا مغفورا لكم ، ولتكن كلمة محاربته شعار المرحلة دونما تنزيل على الواقع ، بل لا تقبل المزايدة !
دولة تتآكل مصداقيتها في كل دقيقة وثانية ، دون أن يدق ناقوس خطر أحد ، إلا من معارضة ممنوعة مقموعة محتقرة ومهمشة ، تشيطن لكي لا يسمع لها ، وتخون ليستمر المستفيدون من الوضع في حلب البقرة ، دولة ذهبت هيبتها وفقد المواطن ثقته فيها بما كرست من ممارسات وما تسير فيه من تخبط وعشوائية وترقيع ، مهددة بكل أنواع العواصف والقواصف ، وهذا ما يعكسه العزوف الشعبي العارم تجاه لعبة انتخابية دورية مزورة ومتحكم فيها دون أن تفتح الشهية لأحد من الناس بالمشاركة إلا من هم داخل النسق المغلق يلعبون وينهبون كل حسب قدره وقربه .
وليختم المشهد كله بحفلة السنة ، ركعيات خمس ، يصطف كل وزراء الحكومة ، وعمال الأقاليم والجهات ، ونخب المغرب صفوفا يدفعهم خدام مطربشون بلباس أبيض وبعبارات محددة تنقل على المباشر بالتلفزيون العمومي الرسمي ، ليتفرج العالم بأسره على أكبر أضحوكة في القرن الواحد والعشرين ، ومعه نخب البلد وتقدميوهوديمقراطيوه ومن يصدعون رؤوسنا بالحداثة وحقوق الإنسان دون أن ينبسوا ببنت شفة ، ولنتحول إلى مسخرة ، يركع بشر لأخيه البشر ، بما يشبه صلاة لا نعلم أهي بوضوء أم لا ، في مشهد يدمي القلب ، سماه صديقي عرفا ليخفف ألم النفس ونخوة الأحرار ، وبئس الصنيع !
وهناك في الخلف ، آلة مختصة تراكمت مع الزمن ، تمتح من ثرات قديم ، تحول الملك إلى صنم يعبد من دون الله، وهو الذي ينعتبأمير المومنين ، ولتخرس كل الفتاوى والأفواه المفرهة في كل ملف ، وليختفي وزير الأوقاف الذي تحول إلى وزير توقيف للخطباء ، ومبرر في كم من مناسبة لهذه الطقوس المهينة ، ومدافع عن الحوزة بكل اختلالاتها وخروقاتها وتجاوزاتها . هنا خطوط حمراء يمنع تداولها ، ولا هاشتاغبالفيسبوكعن المسألة الأم ، والمعضلة الأعمق ، بيعة الإكراه و العبودية والاحتقار ، وليصير الإسلام أطلالا وواجهة لمداهنة العوام يستغل للتمويه على الرعية ورسوما تشتري الشرعية !
في مكان آخر وفي تناقض تام ، صور أخرى تنقل الملك كإنسان يلتقي المواطنين ويأخذ صورا معهم ، ويسمع لهم ولشكواهم ، ويقدم الحلوى لأسرة بروكسيل !
ولعل الذي لا ينتبه إليه مسؤولونا أن ولاءا يبنى على الإكراه باطل ، كما قال الإمام مالك ، وأن كعب الغزال “حلوى محلية بالمغرب “والسفريات والإكراميات و المقابل يعتبر أساسا هشا ، ولا يعتد به ولا يعول عليه ، وينعدم في الدول القومية ، هناك تقوى قيمة المواطنة والوطنية وصناديق الاقتراع والإعلام المستقل والمجتمع المدني والعقد الاجتماعي الذي تحدث عنه روسو ، لتكون العلاقة مبنية على الاحترام وصيانة الكرامة الآدمية والانصياع للقانون .
وأعتقد أنكثيرا من أصحاب القرار يعرفون ويعون هذا الأمر ويتحدثون به في الكواليس ، ولربما حين يجلس بعضهم لبعض يسخرون ويشمتون ، وليذهب الوطن إلى الجحيم مادامت شيكاتهم وعقاراتهم مضمونة وأرصدتهم في سويسرا وبنما عامرة .
ربما لم يستوعب الناس درس تركيا ، أو تونس الجوار وليبيا وآخرين ، بل على العكس من حرصهم على الاستمرار وليس الاستقرار ، تراهم يسوقون لسوريا والعراق ليقايضوا الناس بين استبداد جائر خائر حائر مذعور ، وبين فوضى ودماء وأشلاء، ونسوا في حمأة دفاع كاذب وخبيث ، كل أولئك الذين كانوا جنب “بن علي” أو “القذافي”وتركوهم في أول امتحان ، ولم يكنوا لهم المحبة يوما ، بل كانت علاقة مصالح وقضاء مآرب ، ورأينا السبسي يعود بعد الثورة ، وهو كان أحد رجالات ظل الطاغية التونسي ، الراحل غير مأسوف عليه .
في الضفة الأخرى من البحر المتوسط ، وقفنا على شعب تركي كريم خرج براياته الوطنية إلى الساحات مناصرا لديمقراطية تبحث عن نفسها بكل نقائصها ، شعب واع ناضج بكل أطيافه الإسلامية واليسارية ، أصبح له اختيار وقرار ، ولمس تنمية حقيقية وطفرة اجتماعية واقتصادية لا تخطئها العين ولا ينكرها إلا حاقد جاحد ، فهل من معتبر ؟
إن الحريصين حقا على الدولة والوطن أن يستمر ويستقر ويسير ، لا يحابون ، لا يتملقون ، لا يستفيدون ، ينصحون بكل محبة وشفقة ويصارحون مهما كان الثمن ومهما تجرعوا من مرارة الكلمات والوقائع ، يتحرقون ، لهم كبد وضمير ، يصرخون ، وتجدهم أول مدافع وقت الجد بشروط الشعب ، يضعون الأصبع على الداء ، ويصفون الدواء إن وجدوا لذلك سبيلا ، لينقذوه من أزمته .
إن الوطنية التي لا تصدر عن قلب صادق له غيرة على بلده ، تبيعك في أول محطة وتنساك في أول منعطف ، كما يفعل كثيرون حين نسمعهم في ملتقيات دولية وفي الهيلتون وفنادق الخمس نجوم ، يعطون المعلومة بمقابل أو بغيره .
والسلام .