الصهيونية المسيحية
الصهيونية المسيحية
مشهد الاستئذان:
تشير الصحف العبرية أنه ليس هناك شك في أن تدخل الروس قتاليا في سوريا، سيغير المعادلات الحالية في الشرق الأوسط، و ترى أن الروس لا يضمرون نوايا هجومية تجاه إسرائيل أو دول أخرى ذات سيادة في المنطقة، وأن هدفهم المعلن هو قتال تنظيم الدولة والحفاظ على حكم الأسد، و ليس في ذلك غرابة، لكن الغريب هو دخول الكنيسة الروسية على الخط و اعتبار قصف الشعب السوري " حربا مقدسة "، و نفس المسار أصبح يتخذ في أمريكا باعتبار ضحايا الهجومات مجموعة من المسيحيين، فلمصلحة من تدخل المسيحية على الخط ؟ و هل الغرب أصبح يحن إلى حروب صليبية جديدة ؟ أليست كل حروب العالم العربي من أجل عيون إسرائيل؟ و ما العلاقة بين الصهيونية المسيحية و الصهيونية اليهودية ؟
في السياق التاريخي:
ظهرت المسيحية في روما في القرن الثالث الميلادي، و قد كانت تحمل اليهود دم المسيح، و استمر العداء 1700 سنة، ترتب عنه حروب صليبية.
و كان الفكر الكنسي الكاثوليكي في القرون الوسطى يميز بين العبرانيين القدامى و اليهود المعاصرين، وكانت فلسطين حسب رأيه أساس الوطن المقدس للمسيحيين، و لم ينظر لليهود أنهم الشعب المختار، و بالتالي وفقاً لهذه العقيدة الكاثوليكية لا يوجد لليهود مستقبل جماعي؛ من منطلق أنهم ارتكبوا آثاما و أنكروا أن عيسى هو المسيح المنتظر، فطردهم الله و نفوا في الأرض، و انتهى وجود ما يسمى " بالأمة اليهودية" إلى الأبد.
لكن في انجلترا في القرنين الرابع والخامس عشر تم الانقلاب على الكنيسة الكاثوليكية الإقطاعية، و تم الانفصال عنها والانتقال إلى المذهب البروتستانتي، فأصبحت إنجلترا تدين به بالقوة في كل من أسكتلندا، والجزء الشمالي من إيرلندا.
و عمدت إلى إحياء العهد القديم "التوراة"، وأعادت الاعتبار للغة العبرية من منطلق أنها لغة الكتاب المقدس؛ و تحسنت العلاقة مع اليهود باعتبارهم أبناء الرب وشعب الله المختار، و تبنوا فكرة "فلسطين" كوطن و كمقدمة لعودة المسيح، هنا بدأ الربط بين الديني والسياسي.
و قد دعا "للصهيونية المسيحية" في بعدها السياسي مجموعة من البريطانيين قبل "آرثر بلفور " سنة 1917، فقد تبلورت فكرة الوطن القومي لليهود اعتمادا على منطلقات دينية منذ القرن السادس عشر.
وفي القرن السابع عشر تم ربط الأفكار الدينية بالسياسة، وأصبحت "عودة اليهود" تُستغل كستار للمصالح الاستعمارية البريطانية في فلسطين، و قد قام إسحاق نيوتن بوضع جدول زمني للأحداث التي سوف تؤدي إلى عودة اليهود إلى فلسطين انطلاقاً من نبوءات العهد القديم.
أما في أروبا ف"جان جاك روسو" البروتستانتي صاحب نظرية "العقد الاجتماعي" و الذي وضع إصلاحا تعليميا سنة 1762 يرى انه لمعرفة الدوافع الداخلية لليهود يجب أن تكون لهم دولتهم الحرة ومدارسهم وجماعاتهم.
ووصف الفيلسوف "إيمانويل كانت" اليهود بأنهم (الفلسطينيون الذين يعيشون بيننا)، وأوجد بعض الفلاسفة الأوروبيين ذرائع لاحتلال فلسطين، إذ يرى الفيلسوف الألماني "فخته " بأن لا مكان لليهود في أوروبا، وحل مشكلاتهم لا يتم إلا (باحتلال أرضهم المقدسة ثانية وإعادتهم جميعاً إليها).
و تعتبر الصهيونية غير اليهودية أن "إسرائيل" هي جسر للزحف الاستعماري نحو الشرق، و قد كان نابليون بونابرت المؤيد الأول للصهيونية، فبعد الثورة الفرنسية كانت أول فكرة لتجميع اليهود، فمنحوا الجنسية الفرنسية و حق المواطنة، و في 1798 وضعت الحكومة الفرنسية خطة "كومنولت" يهودي في فلسطين إذا انتصرت في الشرق، و بعد وصول بونابرت إلى مصر أصدر بيانا للالتفاف حوله لإعادة بناء " مملكة القدس"، و بعد حصاره لعكا يرسل خطابا : ( من نابليون بونابرت قائد القوات الفرنسية إلى ورثة فلسطين الشرعيين. أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد الذي لم تستطع قوى الفتح و الطغيان أن تسلبهم اسمهم و وجودهم القومي، و إن كانت قد سلبتهم أرض الأجداد فقط… أدركوا أن عتقاء الله سيعودون لصهيون و هم يغنون ).
لكن خلفية "المسيحية الصهيونية" هي التخلص من شرور اليهود، فمارثن لوثر يعتبرهم عبءا ومصيبة يجب دعمهم للتخلص منهم، و هكذا كان شأن بلفور الذي يريد إبعادهم عن انجلترا، كما يرى روجيه غارودي.
أما في أمريكا، بداية القرن 19 فقد كانت الكنيسة المسيحية البروتستانتية أكبر داعم لمشروع الوطن القومي لليهود في فلسطين ( البروتستانت 65 % مقابل الكاثوليك 30%)
و كانت نكبة 1948 دعما قويا للصهيونية المسيحية، أما هزيمة 1967 فكانت معجزة تم من خلالها دحر جيوش عربية مجتمعة و السيطرة على القدس الشرقية بمواقعها الدينية، و يعتبر البروتستانت أن ذلك تحقيق لنبوءة الكتاب المقدس.
و عرفت هجرة البروتستانت و اليهود إلى أمريكا اندماجا عقائديا و اجتماعيا، و ساندوا الأمريكيين في إبادتهم للهنود الحمر.
و يعتبر الأمريكان البروتستانتيون من أكثر المؤيدين للصهيونية ( 1945 أصدروا مذكرة ل 5000 قسيس)، عن كتاب "النبؤة و السياسة" لغريس هالسل.
و قد أسس الصهاينة المسيحيون في أمريكا عدة مؤسسات لدعم إسرائيل ك " مسيحيون متحدون " و" مؤتمر القيادة المسيحية "و " ائتلاف الوحدة" و" السفارة المسيحية العالمية في أورشليم".
و قد سيطر اليمين المسيحي المحافظ على الحزب الجمهوري منذ الثمانينات من جيمي كارتر" و " رونالد ريغن " و " جورج بوش الأب و الإبن" و الكل يذكر زلة لسانه: ( لقد بدأت الحرب الصليبية الجديدة ) ثم اعتذر بعدها للعالم العربي.
و قد تجلت هذه الصهيونية المسيحية في الإبداعات الفكرية و الأدبية في القصيدة الشهيرة ل"ملتون "" الفردوس السعيدة " أو في قصيدة " ألكسندر بوب " المسيح "، أو في كتاب " البعث العالمي الكبير " للحقوقي هنري فينش .
أما بعد :
"الصهيونية المسيحية" هي مجموعة من المسيحيين من أصل بروتستانتي يؤمنون بقيام دولة إسرائيل، كضرورة حتمية و تجسيد لنبؤات الكتاب المقدس و لمجيء المسيح ويَعتقد هؤلاء أن من واجبهم الدفاع عن إسرائيل.
ـ إن الفكرة الصهيونية ولدت في أحضان المسيحية البروتستانتية غايتها تحقيق "النبؤة الإنجيلية" بتدمير المسجد الأقصى و بناء الهيكل المزعوم، و هم يهيئون لذلك كل شيء، و ينتظرون عودة المسيح لتحقيق "إسرائيل الكبرى"، بل هناك منظمات أمريكية تجمع التبرعات لذلك مثل مؤسسة " معبد القدس"، و معهد " ميشينا " الذي يقوم بإعداد الكهنة للخدمة في الهيكل المرتقب.
ـ كان المؤتمر الصهيوني اليهودي الأول الذي عقد في بال في سويسرا عام 1897م برئاسة "تيودور هرتزل"، صلة ما بين أفكار الصهيونية المسيحية والمصالح الإستراتيجية البريطانية، و قد نتج عنه وعد بلفور 1917.
ـ مثل القرن التاسع عشر ذروة المطالبة بعودة اليهود إلى وطنهم، حيث كانت المصالح المحرك الأساسي لعصر الإمبرياليات.
ـ وظفت الولايات المتحدة البعد الديني لخدمة البعد السياسي، يبدو ذلك واضحاً في تصريحات السياسيين والمفكرين ورجال الدين، ف "الله بارك أمريكا لأن أمريكا باركت اليهود، فعلى أمريكا أن تبقى واقفة إلى جانب إسرائيل، ف" إسرائيل تلعب دوراً حاسماً في المصير الروحي والسياسي لأمريكا".
ـ ما حدث ولا زال يحدث مرتبط بالبعد العقدي للغرب الذي يؤمن بأن عودة المسيح لا يمكن أن تتحق إلا بعودة اليهود إلى فلسطين، فلن يتراجع الغرب عن قناعته إلا إذا وقع تغيُّر عقائدي جديد على غرار ما حدث في القرن السادس عشر.