مقالات

أية حكومة مغربية نفذت برنامجا لها؟

كرونولوجيا عامة ؛

إذا استعرضنا الحكومات الثلاثين المتعاقبة ، وبرامجها ؛ سنلاحظ عدم وجود استقلالية في تدبير العمل الحكومي . فالبرنامج ؛ وتبعا لمنطوق الدستور ؛ يعرض على البرلمان بمجلسيه ، لإحراز الثقة والمصادقة عليه … لكن ؛ بعدئذ ؛ يبقى مجرد " كليشيه " صورة ، أو حبرا على ورق ، لوجود متدخل رئيس ، وحاضر بقوة في جميع أشغال وأنشطة الحكومة ، إنها سلطة الملك ، ومن خلفه حكومة الظل …

تشكيل الحكومة .. وسلطة الملك

حسب نص الدستور ؛ يقوم الملك بتعيين رئيس الحكومة والوزراء باقتراح من هذا الأخير .. ؛ فكم من حكومات تعثرت في تشكيلاتها ، حسب التوافقات ، والتحالفات الحزبية ، لكن الفصل في صيغها النهائية يعود إلى سلطة الملك ، وصلاحياته الدستورية ، بالرغم من وجود مناصب وزارية حساسة ؛ يحرص القصر على وجود أشخاص ( أو استقدامهم خارج التحالفات ) ؛ تتوفر فيهم مواصفات خاصة ، قد لا تتوافق مع المؤهلات الاستوزارية والأكاديمية ، أو التمرس بنوع الملفات والقضايا المعروضة .. وقد تنحو أحيانا إلى خلفية الشخص ، وعلاقاته العامة . أي أن القصر بمعية محيطه هو الذي يعرف " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب "

لقب " حكومة صاحب الجلالة "

عديد هي الحكومات السابقة ، التي كانت تدعى ؛ على ألسنة الساسة ، ووزارة الداخلية خاصة ؛ بحكومة صاحب الجلالة ، لا سيما في عهد الحسن الثاني ووزيره في الداخلية إدريس البصري ، الذي كان يستقوي بمثل هذه الألقاب ، ويستظل بها ؛ في كل الأنشطة الحكومية ؛ والتي كانت تمنحها قوة مضافة ، مستمدة من سلطة الملك ؛ تحميها من كل محاسبة ، أو انتقاد . بل تنظر إلى مقرراتها ، وسياساتها أنها سديدة ورشيدة .. وفوق كل مناقشة أو متابعة ، حتى على مستوى القطاعات الوزارية . وما زالت هذه اليافطة تستعمل حتى الآن من لدن بعض مؤسسات المجتمع المدني ؛ ضمن لقاءات ودورات وأنشطة ، يعقدها المغرب ، حتى ولو كانت في منزلة مهرجانات على النحو التالي " تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس ، ينعقد أو تستضيف … " .

السياسة العامة والحكومة

هناك قرارات محورية ؛ تهم إصلاح قطاع معين أو عقد شراكات معينة في مجال الاقتصاد والاستثمار ؛ لا ترد الإشارة إليها في أي برنامج حكومي .. وتكاد تكون من اختصاصات الملك ؛ من خلال استعمال آليات ألفها المشهد السياسي المغربي ؛ من أهمها الرسائل الملكية ، والتعليمات ، والخطب الملكية ، والزيارات الملكية لدولة أو مجموعة من الدول ؛ مثل هذه الآليات تندرج ضمن السياسة العامة للمملكة ؛ والتي ليس للحكومة أي موقف منها سوى أداة التنفيذ أو التسديد .. فهناك ؛ على سبيل المثال لا الحصر ؛ إصلاحات وقرارات مفصلية ؛ في السياسة العامة ؛ تحسب للمؤسسة الملكية ، ولا تحسب قطعا للحكومة ، أو قطاع وزاري معين ..

المعارضة .. والمؤسسة الملكية

فرقاء المعارضة ؛ داخل المكونات البرلمانية ؛ بالرغم من وسائل العمل التي منحها إياها الدستور ؛ تظل أنشطتها باهتة ، ليس فيها شيء من لغة الحزم والإقناع ، وسياسة البدائل أمام كل خطوة حكومية تريد تمريرها أو الرد عليها … غالبا ما يشتد اللغط ، وتسود لغة التراشق ، والعدمية ، والإقصاء … وأحيانا أخرى تحتد لغة الخطاب بين الفريقين ( الأغلبية والمعارضة ) ، فيتم الاحتكام إلى الملك ، مع أن الجهاز التنفيذي يمتلك صلاحيات واسعة ، وإمكانيات دستورية هامة للفصل في صيغ المقترحات على البرلمان ، دونما حاجة إلى طلب " تحكيم الملك " .

البرامج القطاعية واختلال التوازنات المالية..

ما زالت هناك بقايا من عصر " ولى " ، وزارات ذات سيادة ، وأخرى تابعة ، كأن تقوم وزارة التربية الوطنية بإعلانها عن برنامج إصلاح معين ، أو تسديد مستحقات بقيت عالقة أو في ذمة حكومة سابقة . وعند عرضها لهذه الملفات على وزارة المالية ، تتلكأ هذه الأخيرة أو يتم رفضها ؛ تحت ذرائع ومسوغات عديدة .. أو أن تقوم وزارة الداخلية ؛ من طرف واحد ؛ بطلب إلى الحكومة بتسديد نفقات طارئة أو أمنية إضافية إلى الميزانية ، فلن يكون من هذه الأخيرة إلا الإذعان لها وتنفيذها ، ولو لم يرد التنصيص عليها في برنامجها العام .. مما يكون له عواقب وخيمة على الميزانية العامة ، فيحدث اختلالات كبيرة ، تطال الموازنات القطاعية ، فتضطر الحكومة ؛ تحت إكراهات اقتصادية ثقيلة ؛ إلى طرق أبواب المصارف الدولية طلبا للاستدانة .. أو تلجأ إلى آلية الرفع من أسعار بعض المواد ، وتجميد الأجور.

تقييم برنامج حكومي أو أداء حكومي ..

إنها مجرد " تقليعة " ؛ ظهرت في أعقاب الحكومة السابقة وغير منصوص عليها ؛ لا في وثيقة الدستور ، ولا في البرنامج الحكومي .. ابتدعتها المعارضة ، لتبكر في "سلخ" جلد الحكومة ، كما وسعت من نطاقها الصحافة المكتوبة . بيد أن التقييم ؛ أي تقييم كان ؛ يجب أن يستند إلى أرض الواقع ، وتفعيل النصوص والبنود ، والنتائج والخلاصات ، ولا يقف عند السطور ، كدأب متهافتين كثر تجاه مواقفهم من النصوص المكتوبة لا سيما الخطب والبيانات ؛ فهم يحملونها أكثر مما تطيق .

وقد لا نعدو الواقع ، إذا أكدنا ألا وجود لتقييم موضوعي رصين يستند إلى الأرقام والتقارير والبيانات ؛ في أداء أية حكومة . وكل ما نصادفه ؛ سواء من خلال ندوات ، أو موائد مستديرة .. أو مقالات صحفية ؛ لا يعدو كونه انطباعات مرتبطة بمؤشرات معينة غير دقيقة ، وتنتفي عنها المرجعية الموضوعية ووثوقية المصدر ، أو تتحول ؛ لدى بعض الأقلام ؛ إلى مجرد مزايدات ، والعمل على الانتصار لهذا الطرف دون آخر .. إلا أن المرجعية الموضوعية لتقييم أداء حكومة ما ؛ لا تتوفر إلا للأمانة العامة للحكومة ، وبعدها خزينة الدولة ، لكنها معلومات ما زالت غير متاحة للعموم .

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى