مقالات

استحقاقات 4 شتنبر.. بين التصويت العقابي وتجديد الثقة

ظل العديد من المتتبعين والباحثين إلى حدود اليوم الأخير قبل الانتخابات الجماعية و الجهوية التي نظمت يوم الرابع من شتنبر 2015 يتوقع حدوث انتكاسة وتصويتا عقابيا وشيكا سيتعرض له حزب العدالة و التنمية نتيجة تدبيره الحكومي على مدار الأربع سنوات الفارطة وسلسلة القرارات "اللاشعبية" التي اتخذها و التي اعتبرها الحزب إصلاحية وترمي إلى تحقيق المصلحة العليا للوطن وتحقيق التوازنات المالية وترمي أساسا إلى إنقاذ الوطن من السقوط في براتن الإفلاس، و في المقابل يراها خصومه في المعارضة على أنها "إجهازا" على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى رأسهم الطبقة الوسطى.

واقع الحال ومن خلال النتائج التي أعلنت عليها وزارة الداخلية يشير إلى حدوث عكس ما توقعه الكثيرون بل يمكن اعتبارها بمثابة "زلزال انتخابي" ستكون له بالتأكيد ارتدادات على البنى السياسية و الحزبية التقليدية التي أصيبت بتراجع كبير لاسيما في الجهات التي تكتسي أهمية إستراتيجية و المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط وفاس و طنجة و أكادير و مراكش. هذا الزلزال الذي أسقط من خلاله الناخب المغربي العديد من الأعيان والذين اعتبر نجاحهم إلى حدود الأمس القريب أمرا محسوما وبديهيا وغير قابل للجدال ولعل ما حدث للأمين العام لحزب الاستقلال في معقله فاس لخير دليل على ذلك، ينضاف إلى ذلك آخرون ممن سهروا على تدبير الشأن المحلي و الجهوي للعديد من الولايات المتتالية دونما منازع، وهو ما يؤشر على العديد من الدلالات الرمزية التي ينبغي الوقوف عندها والتي يمكن إجمالها فيما يلي:

-ارتفاع منسوب الوعي لدى الناخب المغربي

من خلال النتائج المعلنة و التي بوأت حزب العدالة و التنمية المرتبة الثالثة وطنيا على المستوى الجماعي أي بزيادة أكثر من 300% عن انتخابات 2009 و المرتبة الأولى وطنيا على المستوى الجهوي ويمكن أن نستنتج أن جزءا مهما من الناخبين المغاربة ولا سيما في المدن الكبرى و الدوائر الانتخابية التي وصفت بدوائر الموت قد قطعوا مع منطق التصويت لفائدة للأعيان وأصحاب المال و الأعمال في مقابل التصويت لفائدة البرامج الانتخابية التي تبدوا أقرب إلى الواقعية بعيدا عن الشعارات الطوبوية والفارغة المضمون ولابد من الإشارة في هذا السياق إلى أن الخطاب الملكي لذكرى ثورة الملك و الشعب 2015 قد لعب دورا مهما في الإشارة إلى ضرورة القطع مع الممارسات القديمة والتحلي بالمسؤولية وتحكيم الضمير في عملية التصويت باعتباره أمانة وعدم الانسياق وراء بائعي ومشتري الذمم، كما يمكن الإشارة إلى أن الناخبين قد وضعوا ثقتهم في الأحزاب الثابتة إيديولوجيا والتي لها خطاب يميل إلى المحافظة على الهوية الثقافية حيث نجح حزب العدالة و التنمية في استمالة الناخبين من خلال خطابه التعبوي والذي يعتبره العديد من المتتبعين أقربا إلى منطق التخليق والواقعية ومرتكزا في الوقت نفسه على رصيد مناضلي الحزب وعدم تورطهم في قضايا فساد أو اختلالات في تسيير الشأن المحلي من قبل وهو ما يمكن أن يعتبر دافعا لتجديد الثقة في الحزب بل وبفارق كبير في كثير من الأحيان عن الأحزاب المنافسة والتي حظيت بوجود مرشحين من الأعيان ومن العيار الثقيل.

-حياد الإدارة

يمكن وصف هذه الانتخابات و التي اعتبرت الأولى من نوعها بعد دستور 2011 بالتاريخية نظرا للأهمية التي تكتسيها من حيث تنزيل مضامين الدستور الذي يعتبر متقدما بالمقارنة مع النسخ السابقة و الذي يرمي إلى ترسيخ قيم الديمقراطية والشفافية وتعزيز المسار الديمقراطي، ولعل النتائج التي أفرزت عليها العملية الانتخابية و التي اعتبرت مفاجئة للكثيرين وتوفر عنصر التشويق و الإثارة لدى المواطنين بخلاف الانتخابات السابقة حيث كان الكثير من المرشحين الناجحين يعرفون بشكل مسبق، خير مؤشر على ذلك، ينضاف إلى ذلك الاهتمام الدولي بهذه الاستحقاقات باعتبارها تجربة مغربية واعدة تؤسس لما يعتبر "ثورة هادئة" في ظل الاستقرار بعد ما عرف بالربيع العربي وفي وجود سياق دولي و إقليمي مشحون و متوتر، كما يرجع الفضل للإدارة الوصية التي سهرت على تنظيم العملية الانتخابية وضمنت نجاحها ومرورها في أجواء عادية من خلال التحلي بالحياد والاحترافية والوقوف على مسافة واحدة من الأحزاب المتنافسة.

-انحسار حجم المقاطعين للعملية الانتخابية

الملاحظ من خلال هذه الاستحقاقات الانتخابية هو ارتفاع نسب التصويت و تراجع عدد المقاطعين وازدياد الوعي بضرورة المشاركة في اللعبة الديمقراطية، ولعل مشاركة فدرالية اليسار الديمقراطي في هذه العملية و التي اعتبرت "نوعية " وذات دلالات رمزية وإغناءً للحقل السياسي وللمشهد الحزبي الساهر على تدبير الشأن المحلي و الجهوي سواء من خلال التموقع في تحالفات المعارضة أو المولاة على الرغم من عدد المقاعد المحدود التي تم حصده، ينضاف إلى ذلك مشاركة جزء مهم من التيار السلفي في عملية التصويت و الإسهام في صياغة الخارطة السياسية بالإضافة إلى عدد مهم من المصوتين من فئة الشباب و الطبقة الوسطى لاسيما في المدن الكبرى بما في ذلك الأحياء الراقية.

-خلاصة عامة:

يعتبر حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية صاحب الرصيد النضالي العريق أكبر الخاسرين بالنظر إلى التراجع الملحوظ في عدد المقاعد المحصودة في هذه الانتخابات إلى جانب حزب الاستقلال على الرغم من احتلاله للمرتبة الثانية جماعيا والذي أصيب بانتكاسة رمزية تمثلت في هزيمة السيد حميد شباط في معقله فاس وهي ما اعتبرت على حد تعبير الأمين العام بمثابة "كارثة سياسية" إلى جانب العديد من الأحزاب الصغرى وأحزاب الوسط التي أخفقت إلى حد ما في تمرير خطاباتها والتسويق لبرامجها نظرا لضبابية الرؤيا لديها و عدم تحديد مواقفها المتأرجحة بين المعارضة والموالاة أو من ناحية اعتمادها على النسق التقليدي في تدبير بيتها الداخلي واعتمادها الكبير على الأعيان والولاءات القبلية و القرابة العائلية وهو ما يملي ضرورة مواكبة متطلبات المرحلة من خلال تجديد هياكلها التنظيمية واعتماد الديمقراطية الداخلية وضرورة القطع مع نظرية "القائد الأزلي" وضخ دماء جديدة لا سيما من فئة الشباب و اعتماد المناصفة والقرب من المواطن والتواصل الدائم معه وضرورة القطع مع ظاهرة الترحال السياسي و اعتماد آليات التقييم والنقد الذاتي وهي متطلبات ستمليها الظرفية الراهنة والمقبلة باعتبارها من ارتدادات الانتخابات الأخيرة في أفق التحضير والجاهزية لخوض غمار الاستحقاقات البرلمانية المزمع تنظيمها العام المقبل، ومن جهة أخرى سيجد حزب العدالة و التنمية نفسه أمام مسؤولية جسيمة أمام ناخبيه وهو ما سيحتم عليه أن يكون في مستوى التحديات و الثقة التي منحت له بالخصوص على مستوى الجهات و الجماعات الترابية التي سيحظى بفرصة تسييرها و تدبيرها وهي مهمة ليست بالسهلة.

 

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى