حوارات

نجيب أقصبي: مشروع قانون المالية خارج عن الزمن

تزامنا مع مصادقة مجلس النواب على مشروع قانون المالية لسنة 2018، أجرى موقع أنباء24 حوارا مع الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي الذي اعتبر هذا القانون خارجا عن الزمن، كما كانت له ملاحظات حول أهم مرتكزات النموذج الاقتصادي المغربي منذ الاستقلال إلى الآن.

س: أين تتجلى أهمية مناقشة مشروع قانون المالية؟

ج: قانون المالية هو مرآة تعكس ما تريد الحكومة القيام به من سياسات عمومية. فهو يعبر عن نيتها بالنسبة للسياسات العمومية الاقتصادية والاجتماعية والمالية إلخ. وفي نفس الوقت فهو فرصة للحوار والنقاش حول السياسات العمومية المغربية.

س: ذكرتم في إحدى مداخلاتكم أن النموذج الاقتصادي المغربي لم يتغير منذ الستينات من القرن الماضي إلى الآن، كيف تفسر ذلك؟

ج: أنا حاولت أن أحلل السياسات العمومية لمغرب ما بعد الاستقلال من خلال المواثيق الرسمية، وقد تبين أن الاختبارات القارة والمستمرة عبر هذه العقود تنبني على ركيزتين: الركيزة الأولى هي ضرورة بناء اقتصاد سوق يعتمد على القطاع الخاص الذي روهن عليه ليكون قاطرة النمو ويكون كذلك المستثمر الرئيسي.

والركيزة الثانية هي الرهان على التصدير والاندماج في السوق الدولية.

فعندما نتابع السياسات الاقتصادية للمغرب طيلة هذه المرحلة إلى يومنا هذا فسنجد أن هاتين الركيزتين هما اختياران قاران. بالطبع هناك بعض التعديلات الطفيفة حسب تغير الحكومات والظروف الراهنة، لكن، تبقى تانك الركيزتان هما القائمتان.

ما أحاول أن أشرحه هو أن هذين الرهانين فشلا مع الأسف، وهذا ليس حكم نية، إنما هو واقع تبرهن عليه كل الإحصائيات بما فيها الرسمية. وللأسف، لم نستطع بناء اقتصاد سوق الذي يتحمل فيه القطاع الخاص المسؤولية التاريخية في الاستثمار. لنر الآن من يستثمر؟ لن نجد إلا القطاع العمومي. كما لم نستطع أن نطور اقتصادا مبنيا على التصدير يكون منافسا وله القدرة على أن يغزو الأسواق المالية.

هذه الانعكاسات تثبت أن هذا النموذج قد فشل. لكن لا يكفي فقط أن نصل إلى خلاصة مفادها أن هذا النموذج لم يستطع أن يلبي حاجات الناس، بل يجب أن نعرف سبب هذا الفشل لتكون اختياراتنا المستقبلية مبنية على الدروس المستفادة من التجربة.

س: بما أن هذا النموذج الاقتصادي أثبت فشله كما ذكرتم، في نظركم ما هو النموذج الاقتصادي الأمثل؟

ج: ليس هناك نموذج أمثل، يجب أولا أن نؤسس لنموذج اعتمادا على تجربتنا، فالقطاع الخاص -الذي ليس لدي عليه أي حكم مسبق- منذ خمسين سنة وظفت له الدولة كل الإمكانيات، وهذا على حساب قطاعات أخرى. فالإعفاء الضريبي -الذي يتمتع به بعض المستثمرين- هي أموال يحرم منها التعليم والصحة… فإذا لاحظنا أنه رغم كل ما بذل من جهود من أجل هذا القطاع و لم يقم بدوره، فعلينا أن ننظر إلى اختيارات أخرى. فالبراغماتية تملي علينا أن نعزز إمكانيات الدولة وإمكانيات القطاع العمومي، مع عقلنة الاختبارات، لأن للقطاع العمومي كذلك مشاكله، إلا أن الفرق بينه وبين القطاع الخاص، أن الأول له إمكانيات للتحكم فيه أكثر من الثاني، فلو صرفت درهما فب القطاع العام، يمكنك تتبع وتتحكم في قنوات إنفاقه.

س: بعد المصادقة على مشروع قانون المالية لسنة 2018، ما تعليقكم حول هذا المشورع؟

ج: أولا أعتبر أن هذا المشروع خارج عن الزمن، فكيف نفسر اتفاق الفقرة الأولى من خطاب وزير المالية مع خطاب الملك الذي طالب في بتغيير النموذج الاقتصادي، في حين يتشبث نفس خطاب الوزير بالنموذج الاقتصادي في فقرته الثانية! وبصراحة أعتبر أن هذا عبث. ثانيا أن هذا المشروع ما زال "أعمى" بهاجس التوازنات الماكرو اقتصادية التي يعتبرها فوق كل شيء. ثالثا، مشروع قانون المالية لسنة 2018 وما قبله لم يتعد منطق الإصلاح، بل يكرس إلى الإصلاح المضاد، وهو ما يوصل إلى نتائج عكسية للأهداف التي ترسمها، فمثلا يتم وضع هدف للإصلاح من خلال تحسين العدالة الجبائية، ولكن كل هذه الإجراءات تتجه نحو عكس العدالة الجبائية، ما يؤدي إلى اللاعدالة جيائية.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى