صحافة

هاف بوست تكتب..موجة انتقادات المؤسسة الملكية في المغرب

“الملك زوين.. محيطه هو السيء” هذه المقولة التي كانت راسخة في وجدان المغاربة يبدو أنها بدأت تتآكل خلال الفترة الأخيرة بفعل توالي الاحتجاجات وانتشارها على نطاق واسع في كل المدن المغربية.

ورغم أن شعارات تلك الاحتجاجات لم تتجاوز بعد سقف الحكومة والفاعلين السياسيين، إلا أن الناشطين السياسيين والحقوقيين وحتى الباحثون يشيرون إلى أن المؤسسة الملكية بدأت تنال نصيبها من الاتهام بالإهمال والفساد وتدعوها إلى تحمل مسؤوليتها باعتبارها الفاعل الرئيسي في الساحة.
بقع سوداء.. على الجلباب الأبيض

قبل حوالي ستة أشهر حينما كان حراك مدينة الحسيمة، شمال المغرب، في أوجه، توجه وفد حكومي رفيع المستوى إلى المنطقة من أجل حصر مطالب السكان وإيجاد حلول لها.. الوفد الحكومي تلقى جواباً واحداً من طرف ناصر الزفزافي، القائد البارز للحراك والمعتقل حالياً في انتظار محاكمته، مفاده: “وعودكم لم تعد مقنعة ونريد أن نجلس مع الملك لنتحاور معه بشكل مباشر”.

الزفزافي في أحد فيديوهاته المنشورة على صفحته على فيسبوك، وجه الخطاب مباشرة إلى الملك قائلاً: “سبعة أشهر ومدينة الحسيمة تشهد احتجاجات تطالب برفع العسكرة وإصلاحات اقتصادية واجتماعية وأنت غائب، وهذا يعني أنك لا تريد المصالحة مع الريف”.

هذا “التجرؤ” على شخص الملك المقدس دستورياً وحتى في المخيال الشعبي المغربي تعتبره الباحثة مُنْية بناني الشرايبي آخر نفس في أسطورة “الملك طيب والطبقة السياسية هي السيئة”، فبعد 18 سنة من حكم الملك محمد السادس، فإن مقولة الطبقة السياسية هي مصدر كل العلل، بدأت في فقدان فاعليتها، ففي نفس الوقت الذي يتم فيه شجب الأحزاب السياسية، يؤكد المحتجون بصوت عال وبقوة أن الحكم الفعلي بيد الملك.
الباحثة تضيف في دراسة نشرتها مؤسسة “طفرة للأبحاث” أن عملية تعرية الملك تحولت إلى مصدر للتهديد لدرجة تستدعي استعادة العمل بصيغة الملك طيب والطبقة السياسية سيئة كما ظهر ذلك جلياً في آخر خطاب للعرش، حيث استنكر الملك بقوة مسألة اللجوء إليه كلما فشلت الطبقة السياسية للاختباء وراء حيطان القصر الملكي.
أحزاب على المقاس

كان الملك الراحل الحسن الثاني متعوداً على أن يكرر جملة شهيرة في خطاباته وحواراته مفادها “لو شئت لعينت سائقي الخاص وزيراً”. هذه الجملة تلخص إلى حد كبير ضيق الهامش المخصص للطبقة السياسية في لعبة الحكم إلى الجانب اللاعب الأكبر الذي هو القصر. هذا الأخير “كان دائما يضع الأحزاب والحكومة كوسادة هوائية تقيه من حدة الاصطدام المباشر مع الشعب في أوقات الأزمات”، فكان يصنع أحزاباً ويعين أمناءها ويعزلهم حتى من دون علمهم، حسب دراسة ليونس برادة الباحث في علم الاجتماع السياسي.

هذه الخطة التي يسير عليها القصر منذ الاستقلال، مازال على نهجها حتى اليوم. ففي آخر خطاب له بمناسبة عيد العرش يوم 30 يوليوز 2017 حمل الملك المسؤولية مباشرة للأحزاب السياسية والإدارة واصفاً إياها بالفاشلة في معالجة قضايا المواطنين مما أدى إلى اندلاع حراك الريف وغيره من المناطق.
وكالعادة جاءت ردود فعل الطبقة السياسية “المتهمة” كما هو متوقع لتزكي الخطاب الملكي وتؤكد التهمة على نفسها، بل ذهب الاجتهاد بالأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، أكبر حزب إداري صنعه القصر، إلى تقديم استقالته تفعيلاً للخطاب الملكي.

استقالة إلياس العماري من حزب الأصالة والمعاصرة عزاها بلاغ صادر عن المكتب السياسي للحزب إلى ما وصفه بفشل الفريق البرلماني والمنتخبين التابعين للحزب على المستوى المحلي في تحقيق الأهداف التي سطروها والمتمثلة في تحقيق التنمية وإنجاح المشاريع الكبرى التي أشرف على إعطاء انطلاقاتها الملك شخصياً، وبما أن الأمين العام هو الذي أشرف على عملية الانتخابات فإنه قرر تحمل مسؤوليته وتقديم استقالته.

لعبة تقاذف الكرة هذه بين القصر والأحزاب حتى وإن بدت في ظاهرها ممارسة ديمقراطية، فإنها تخفي في باطنها اختلالاً كبيراً في موازين القوى تكشفه الباحثة مُنْية بناني الشرايبي حيث يظهر الملك دائماً بصفة “الأمير المستنير” القابع على رأس المشهد السياسي، وتظهر الأحزاب بوصفها “الرجل المريض” المسؤول عن كل الأعطاب التي يعيشها المجتمع المغربي. هذه الأعطاب التي يرصدها الملك في خطاباته المختلفة ويلقي باللوم دائماً فيها على الأحزاب باعتبارها فاسدة ومعطوبة، بل ويتدخل حسب الباحثة ليقدم الحلول ويقترح القوانين اللازمة لإصلاح حالها ومن ضمنها قانون الأحزاب الذي اقترحته المؤسسة الملكية سنة 2006.
إلى أين؟

تدخل الملك في الشأن السياسي ليس جديداً، فمنذ الاستقلال بني النظام المغربي على أساس الملكية التنفيذية، أي أن العاهل المغربي يسود ويحكم بصلاحيات غير محدودة في الواقع. بهذا الواقع أصبحت الأحزاب والحكومات، كما يسجل الباحثون، مجرد منفذ للتوجيهات السامية الصادرة عن القصر. هذه العملية جعلت الأحزاب قاصرة عن الاضطلاع بدورها المتمثل في التأطير واقتراح البرامج والتنافس عليها في الانتخابات.

ومع موجة الربيع العربي التي كان للمغرب نصيب منها مع حركة 20 فبراير اضطرت المؤسسة الملكية لتقديم تنازلات كثيرة من صلاحياتها لصالح مؤسسة رئاسة الحكومة المنتخبة عبر دستور جديد تم إقراره في استفتاء 2011. غير أن هذه التعديلات وكما تسجل “الواشنطن بوسط” لم تغير من الواقع شيئاً حيث ظل البرلمان خاضعا للمؤسسة الملكية وجهاز الدولة الذي يشمل مستشاري الملك والمسؤوليين الحكوميين ووزارة الداخلية.” وبقيت النخب السياسية بالمغرب غير قادرة على انتقاد الملك أو مستشاريه دون أن يتعرضوا إلى توبيخ رسمي، مضيفة بأن الملك لا يزال يحتفظ بصلاحية حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.

هذه المفارقة جعلت الناشطين السياسيين والحقوقيين في المغرب يوجهون سهام النقد بشكل مباشر للمؤسسة الملكية وتحميلها المسؤولية هي الأخرى لعدم نجاح الأوراش التنموية التي يريدها المجتمع. .

محمد الناجي، أستاذ التاريخ والاقتصاد في جامعة محمد الخامس في الرباط وصاحب كتابة العبد والرعية، انتقد دائما في دراسته ومنشوراته على فيسبوك هذا التداخل بين الاقتصادي والسياسي واحتكار القصر لكل السلطات. في نظره فإن الديموقراطية تقتضي رفع السياسي يده عن المجال الاقتصادي وتركه للمنافسة الحرة بين الأطراف.

الشرخ الحاصل في هيبة القصر وصل إلى الثروة الملكية والتهرب من الضرائب وهو الموضوع الذي كان من التابوهات التي يعاقب عليها القانون. وفي هذا السياق تأتي تسريبات وثائق باناما التي ألقت الضوء على ثروة الملك محمد السادس التي “تضاعفت منذ بداية الربيع العربي سنة 2011 كما يذكر الصحفي عمر بروكسي.

انتقادات الناشطين تجاوزت السياسة والمال لتصل حتى لباس الملك ولغته المستعملة في خطاباته خاصة الأخيرة منها. خالد البكاري الناشط في حركة 20 فبراير وحراك الريف ينشر على صفحته في فيسبوك انتقاداً لاذعاً للأسلوب الملكي قائلاً: “بعد نهاية الخطاب الملكي اليوم (20 غشت) الذي لم تثرني فيه إلا عبارة: “فهذا أمر يخصه، وهو لا يعرفني.. اكتشفت أني وطني، حتى صاحب المقهى المكتظ بالزبناء لم يغير القناة وفضل استكمال مباراة البارصا والبيتيس”.

غير أن معاول النقد هذه تبقى نخبوية ومقتصرة على نشطاء سياسيين وحقوقيين وإعلاميين معدودين على رؤوس الأصابع. ففي استطلاع نشر بعنوان “ماذا لو التقيت الملك؟” جاءت أغلبية الأجوبة لصالح القصر، حيث عبرت الأغلبية الساحقة عن رغبتها في شكر الملك ودعوته إلى زيارة مدنهم حيث مازالت الزيارة الملكية في الخيال الشعبي المغربي مقترنة بالخير والبركة فالملك شريف النسب سليل النبي.

هاف بوست

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى