الأعمال الروائية لطارق بكاري موضوع لقاء ربيع الرواية في دورته الثانية بكلية اللغات والآداب والفنون
نظم ماستر ” مكونات الأدب العربي بالمغرب الحديث والمعاصر: التاريخ والخطاب” بكلية اللغات والآداب والفنون، جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، مساء يوم الخميس 11 ماي 2023 في مدرج الندوات للكلية، لقاء علميا حول الأعمال الروائية لطارق بكاري ضمن سلسلة ندوات ربيع الرواية في دورته الثانية.
رحبت في بدابة الأستاذة ربيعة بنويس منسقة الماستر في كلمتها بالأستاذين المشاركين في اللقاء إبراهيم أزوغ وعبد الجليل الشافعي، ومرحبة بالروائي طارق بكاري، كما أعربت عن شكرها لما يقوم به الأستاذ هشام موساوي وما يبذله من جهود لعقد لقاءات علمية وثقافية وباعتبارها صيغة لتأطيري الطلبة وفسح المجال أمامهم للتفاعل مع المبدعين والنقاد والأكاديمين من مختلف جامعات المغرب.
رحب الأستاذ هشام موساوي منسق أشغال اللقاء بدوره، بالباحثين والروائي، وكانت المداخلة الأولى التي قدمها الأستاذ إبراهيم أزوغ (كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية، جامعة الحسن الأول) بعنوان “الاعتراف وقول الحقيقة في مرايا الجنرال لطارق بكاري”، انطلق فيها من مدخلين؛ المدخل الأول ما تعرفه الرواية المغربية من تحول إلى الاهتمام بالحكاية “وتعقيل التجريب”، الذي حقق لها انتشارا وقراءة واسعين؛ مغربيا وعربيا، والثاني تحولها من تصوير الصراع داخل المجتمع، وما له من أثر على الفرد إلى تصوير الحياة النفسية للفرد وانعكاسها على المجتمع، وانطلاقا من المدخلين استثمر الباحث مفهوم الاعتراف من خلال التحديد الذي قدمته التصورات الدينية للمفهوم، وتحديد التحليل النفسي له، لبناء قراءة تشخص الحياة النفسية للشخصيات في الرواية، برصد علامات نصية تمكن من تتبع السيرورات النفسية بتناقضاتها الناجمة عن صور ترسبت في ذاكرة الشخصيات الروائية، تعود إلى الطفولة، أو تعود إلى حاجات الجسد ورغباته المكبوتة، أو إلى أثر الواقع وما يقتضيه من اندماج وصراع، وخلص الباحث إلى أن رواية “مرايا الجنرال”، بسرد اعترافات الجنرال لرسم حياته، تقول بلغات الأدب إن ما يظهر على أنه الحقيقة والحقيقي ليس كذلك، والظاهر ليس سوى قناعا للحقيقة، وتقول إن الخطيئة والرذيلة في شريعة الحياة وسلوك البشر ضرورة مثل الفضيلة والطهارة، وأن البياض لا يكون بياضا إلا بوجود السواد، والحب للروح مثل الرغبة للجسد لا يستقيمان إلا باقتران كل منهما بالآخر. وذلك ما حاولت رواية بكاري”مرايا الجنرال”، يقول الباحث سرده باهتمام واضح بمضمون الرواية، دون إغفال لأسئلة الكتابة وحداثتها.
المداخلة الثانية التي قدمها الأستاذ عبد الجليل الشافعي حول: تشكلات الهوية في رواية نوميديا (الهوية الجريحة) أشار فيها إلى مفهوم الهوية لغويا وفلسفيا وسرديا، ثم عرض كيف تشكلت هويات الشخصيات، خاصة هوية الشخصية الرئيسة، وهي هوية جريحة، وقد تم دراستها من خلال مكونين رئيسين، وهما (الفضاء والذاكرة). والفضاء قاربه الباحث من خلال عنصرين أساسين، وهما فضاء القرية باعتباره فضاء جميلا أثر في هوية الشخصية بشكل إيجابي، وفضاء المدينة (فاس) باعتباره فضاء قبيحا وقاسيا ترك تأثيره السلبي في هوية الشخصية ونفسيتها. أما فيما يتعلق بالعنصر الثاني (الذاكرة) فقد تم طرحه من خلال مكونين. المكون الأول؛ الذاكرة والطفولة ومكون الذاكرة والحب.
وفي ختام مداخلته أشار الباحث إلى أن الرواية طرحت موضوعة الهوية، الهوية الجماعية والمحلية، على اعتبار أن هناك تداخلا بين المستويين، وأشار إلى أن هناك نوع من السوداوية والسلبية في تصوير هذه الهوية، حيث إن أغلب شخصيات الروائية تعاني من أعطاب نفسية ووجدانية وفكرية.
وفي مدخلته المعنونة “أعطاب الذاكرة وأسئلة المجتمع في رواية روائح ديهيا” إلى جانب تنسيقه لأشغال اللقاء أشار الأستاذ هشام موساوي، إلى أن الروائي طارق بكاري مهتم كثيرا بموضوعة الهوية، وميز في قراءته بين أشكال الهوية، والفرق بين الذات والهوية، على اعتبار أن الأولى “فطرية” غير أن الثانية مكتسبة، حسب البيئة والطبقة الاجتماعية والظروف والتجارب التي يعيشها الفرد. كما تحدث عن الجانب الفني في بناء الرواية، معتبرا أن الرواية المعاصرة تعرف عودة للحكاية في الرواية، واعتبر أن هذه العودة هي التي تفسر الحجم “الكبير” للسرود التي تنتج في الآونة الأخيرة، خاصة عند الكتاب ” الشباب” مستفيدا مما يقدمه المنهج البنيوي ” البنيويون الروس” لأن ذلك يسعف في مقاربة النصوص واستكناه دلالاتها..
وبعد تفاعل موسع مع المقاربات الثلاث المقدمة لروايات طارق بكاري، قدم الروائي كلمة هذا نصها: “أتقدم في مستهل هذه الكلمة بجزيل الشكر وعظيم الامتنان للدكتورة ربيعة بنويس والدكتور هشام الموساوي، ولطالبات وطلبة ماستر “مكونات الأدب العربي بالمغرب الجديث/ التاريخ والخطاب، على تشريفي بتنظيم ندوة حول منجزي الروائي، والشكر موصول للدكتور إبراهيم أزوغ والأستاذ عبد الجليل الشافعي، والحقيقة أن قراءتيهمَا النقدية إلى جانب قراءة الدكتور هشام الموساوي، مع ما يسمُ كل قراءة من فرادة في تناول كل عمل، وحسن استثمار للأدوات النقدية في تفكيك هذه المحمولات الثقافية واستنطاق مضمراتها، كلها أمور تجعلني أعجبُ من قوة النقد وقدرته لا على تفسير مبهمات النص، وتأويله من هذه الزاوية أو تلك حسب ما يقتضيه المنهج فقط، بل على التفكير في ما لم يفكر فيه الكاتب، وقد كنتُ -ولا أزالُ- مفتتنًا بقراءة وإعادة قراءة ما يكتبهُ النقاد عن أعمالي، لأنني أتعلم دائمًا من النقاد، وعادةً ما تحملُ نقودهم إشارات عميقة ودالة.. وكثيرًا ما تنتبهُ إلى أمور لم أفكر فيها ساعة الكتابة.
سعيد جدًا، لأنني أحلُّ ضيفًا على كلية اللغات والآداب والفنون، ولا تنبعُ سعادتي من أن هذه الكلية قد خصّت منجزي الروائي بهذا الاحتفاء الأنيق فقط، بل لأنني كنتُ أعتقد -ولا أزال- بأنّ الجامعة حاضنة الإبداع ومشتل خصب للطاقات النقدية، وبأننا ككتاب ومبدعين مغاربة أولى بنقادنا وباحثينَا، كما أننا أولى بأنّ تنال أعمالنا النصيب الأكبر من الجهود الأكاديمية الرصينة التي تصدر عن جامعاتنَا، واعترافًا مني بالفضل لأهله، أشكر من هذا المنبر الجامعي، كلّ الأساتذة الأجلاء الذي دأبوا على توجيه طلبتهم إلى قراءة أعمالي والاشتغال عليها في إطار عروض، وفي إطار مشاريع تخرجهم، وكنتُ ولا أزال، أسعد في نهاية كل موسم جامعي بالأخبار والصور التي يتقاسمها معي العديد من طلبة الإجازة والماستر الذي يشتغلون على هذا العمل أو ذاك من أعمالي، كما لا أترددّ في التفاعل مع هؤلاء الطلبة ودعمهم بالتوجيه والنصح ما استطعت إلى ذلك من سبيل.. أشكر أساتذتنا على حسن تأطيرهم لجهود الطلبة، كما أعرب لهم عن عظيم امتناني نظير ما تجده أعمالي منهم من كريم العناية وجميل الاحتفاء، وأسعدُ دائمًا بما يكتبُونه عنها في كتبهم النقدية وفي الكتب الجماعية، إلى جانب ما يُنشر من مقالات فيالصحافة.
وختامًا أجدد شكري وتقديري لكل من ساهم في إنجاح هذا الاحتفاء الجميل بالرواية، وبربيع الرواية الذي نتمناه دائمًا خصيبًا يانعَ الثمار وداني القطوف.”
متابعة: رشيد الغربي