ثقافة

الدكتورة مفيد تحاضر عن البعد المقاصدي للبناء الأسري والأدوار الأسرية ضمن فعاليات سفراء مكارم

في إطار الأنشطة الموازية لفعاليات برنامج سفراء المكارم 2- دورة فطرة 2023، انعقدت مساء يوم الأربعاء 10مايو/أياروباستخدام تقنية التناظر عن بعد زوم، محاضرة علمية في موضوع “البعد المقاصدي للبناء الأسري والأدوار الأسرية” من تأطير الدكتورة خديجة مفيد أستاذة الفكر الإسلامي وعلم الاجتماع الأسري بجامعة محمد الخامس بالرباط، ورئيسة مركز الدراسات الأسرية والبحث في القيم والقانون بالمغرب، وأدارت المحاضرة الأستاذة جهيدة بوشوشان مديرة مشروع لبنة للتأهيل الزواجي بجمعية حورية الجزائر.

استهلت المحاضِرة حديثها بتشخيصالواقع وذكر سياق واقع عالمي تعرف فيه الفطرة إجهازا تاما على مستوى البنيات المتعلقة بها، وعلى مستوى التشريعات والقوانين، وعلى مستوى القيم والثقافة، ثم أكدت على ضرورة العودة بالعقل الإنساني إلى الرشد وهدي الوحي لتحقيق سعادة الدنيا والآخرة.

ثم أشارت إلى أننا نشهد هجمة كبيرة على كل التشريعات والقوانين المؤسسة للأسرة المبنية على أساس الدين، لنعيش ما يسمى بسمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية، مما أدى إلى تحييد الدين من الحياة التشريعية والدعوة إلى سيادة منظومة حقوق الإنسان –رغم ما فيها من إيجابيات-فالأساس الذي تقوم عليه هو الرغبة والحق الطبيعي وسيادة الأهواء، وعليه شهدت المجتمعات انقلابا وتحولا سريعا أفرز ظواهر مشوهة كالأسرة المثلية وحق الطفل في تغيير الجنس.. والهجوم على المنظومة الشرعية باعتبار التعدد ظلما للمرأة، الولي وصاية، الإرث تخلفا والعلاقات الرضائية حقا طبيعيا…

بعد ذلك انتقلت الدكتورة خديجة مفيد لبيان مفهوم الأسرة والأدوار التي تميزها في إطار القرآن الكريم مقارنة باﻟﻤﻔﻬﻭﻡ ﺍﻟﺴﻭسيوﻟﻭجي في المنظومة العلمية الوضعية،فاختارت أولا تعريف الأسرة من خلال مقاربة علم النفس التنموي مبرزة نظرية “ماسلو” التي ترى أن الأسرة هي الكيان الذي يقوم على الحاجيات والدوافع، ومبينة هرم “ماسلو” ذي الخانات الخمس لتحقيق الحاجات الطبيعية والاجتماعية والتقدير…

أما في المنظومة الشرعية فالدافع لنشأة كيان الأسرة اثنان: أولهما الفطرة، وثانيهما الاحتياجات: منها الاجتماعية المتمثلة في الإعمار والاستمرار،وأخرى نفسية متمثلة في السكن،ثم حاجات جسدية كالمتعة وحاجات روحية كالتحصين والعفاف.

ومنه انطلقت لبيان أن مفهوم الأسرة في المنظومة الوضعية يتحدد من خلال مصطلح “family” أي الألفة بين اثنين، بينما في التعريف الإسلامي هو اجتماع اثنين بعقد شرعي بقصد الإمتاع وينتج عنها الأبناء..

ثم انطلقت لإبراز مكونات هذا الكيان الأسري التي وضحهاالقرآن الكريم،فهو يتحقق بدافع الفطرة والاحتياجات، ومنسجم مع الأساسيات الوجودية التي يحددها الحديث النبوي ” من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده،عنده قوتيومه، فكأنما حيزت له الدنيا” فهذا الأمن المتحصل هو من أهم أهداف الأسرة الوظيفية، التي يسعى الزواج” الميثاق الغليظ”لتحقيقها إضافة إلى تحقيق دعم احتواء الأبناء، والتربية، والنجاح الاقتصادي أي الأمن الاقتصادي.

وبعدها تطرقت للحديث عن الأسرة الوظيفية التي تنبني على عناصر أربعة وهي: أولا بناء الاتجاه باعتماد رؤية مشتركة قائمة على توحيد الله تعالى، والعنصر الثاني تقوية ديناميكية التكيف سعيا للنجاح والتوافق، والعنصر الثالث تقوية الحوار والتقبل الذي يبنى على قاعدة الرضا والصبر الجميل، والعنصر الأخير تدبير الغضب باجتناب العنف اللفظي والاهتزاز النفسي.

أما الشق الثاني من المحاضرة فقد أبانت فيه الدكتورة مفيد الأدوار التي تقوم بها الأسرة في إطار البناء الهيكلي، مشيرة إلى أن مفهوم الدور سوسيولوجي هو التمثلات والتصورات والتوقعات عن الأنفس والمواقع والتوقعات التي يتوخاها منا الآخر.ثم أشارت إلى أنه بعد رصد المفهوم في القرآن الكريم وجدت أن الأدوار التي وكلت للأسرة تنسجم مع الأدوار الوجودية التي وكلت للإنسان في القرآن، ثم حددتها الدكتورة في خمسة وهي:

1- الاستقرار: والذي يتحقق بالسكن، وهذا الأخير له مفهومان هما الأمن والراحة.و السكن هو الأمن بمفهومه المادي بكل أنواعه سواء الصحي والاجتماعي والاقتصادي. والراحة هي تحقيق للأمن النفسي والأمن الإيوائي.والسكن يتحقق بإنطاق المودة المبني على الرعاية و الرحمة والتغافل والاحتساب والستر.

2- الإعمار: وينبني على أربعة أسس هي الإنجاب بتكثير النسل والإنماء بتقوية المعرفة وبناء عقلية الإنتاج والابتعاد عن عقلية الاستهلاك وتطوير الحركية والفاعلية.

3- الإصلاح: الذي يقوم على إصلاح الذات. ويقوم هذا الإصلاح على ثلاثة أسس هي إصلاح الروح بالتزكية وإصلاح العقل بالتغذية ويتم ذلك بمجموع من المستويات هي الخلوة والصيام والقيام والصدقة والذكر السلوك بالتقويم ويتم بالرياضة والتدبير والتأهيل. فالسلوك الباني والمبني في الأسرة قاعدته مجموعة من القيم إحداها حدود والأخرى آفاق كالعدل والفضل والمحبة والمودة …

4- القيادة: وهي بناء القدوة في العبادة والعادة، وبناء القدوة يتم من خلال رفع سقف الأمانة والصدق وذلك برفع مستوى الرقي والذوق والقيادة العلمية وبناء العقلية الاقتصادية الإنتاجية عند الأفراد.

5- الشهادة: يقول الله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) فحينما يتحقق كل ما سبق ذكره في الأسرة فإنها تصبح مثالا يحتدى به ونموذجا يغري يتحقق فيه الاحترام المتبادل،حيث تكون الأسرة أسرة ربانية أسرة شهود حضاري يمكن أن تغير الواقع كما تسعى إلى تنميته على حد تعبير الدكتورة مفيد، كما أضافت أن الأسرة التي تتحقق فيها صفتا الصدق والأمانة هي أسرة قيادية.

 وقد اختتمت المحاضرة بفتحالمداخلات للمشاركين في برنامج سفراء المكارم وللمتتبعين والمهتمين الذين تفاعلوا مع الدكتورة في طرحهاالمعرفي بالعديد من الأسئلة والملاحظات والتعليقات فأثروا النقاشحول الموضوع المثار.

 

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى