الانقلاب الألماني في ثلاث أسئلة
ألقت السلطات الألمانية، 7 ديسمبر/ كانون أول الجاري، القبض على أكثر من عشرين مشتبها بالتورط في مؤامرة مزعومة “للإطاحة بالدولة عن طريق العنف والوسائل العسكرية”.
وبحسب الادعاء العام في ألمانيا، اشترت المجموعة، التي تضم شخصيات من اليمين المتطرف وضباطا عسكريين سابقين، أسلحة ووضعت خططا ملموسة خلال الأشهر الأخيرة لإثارة الفوضى على مستوى البلاد واقتحام البرلمان الألماني “البوندستاغ” باستخدام العنف.
ويعد هاينريش رويس، وهو سليل عائلة نبيلة، ويعرف باسم الأمير هاينريش الثالث عشر، الشخصية الرائدة في المجموعة.
وفي 7 ديسمبر الجاري، أعلن مكتب المدعي العام الفيدرالي الألماني في بيان، أن “السلطات المختصة أحبطت مخطط انقلاب عبر شن هجمات تسعى لإحداث فوضى في البلاد، والاستيلاء على السلطة”.
وأضاف البيان: “شارك في المخطط 52 مشتبها، بينهم مجموعة تابعة لحركة مواطني الرايخ (يمينية متطرفة)، وضباط سابقون”.
ولا تعترف حركة “مواطني الرايخ”، التي تأسست في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بالنظام السياسي الألماني القائم، ولا بالدولة الألمانية في صورتها الحالية، وتعترف بالمقابل بالإمبراطورية الألمانية.
** متى بدأ بحث سيناريو الانقلاب في ألمانيا؟
حركة “مواطني الرايخ”، التي لا تعترف بالنظام الدستوري القائم في ألمانيا، تهدف للإطاحة به من خلال تنفيذ انقلاب، وإعادة تأسيس إمبراطورية، وهي معروفة منذ الثمانينيات.
ومنذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انقسمت الحركة إلى العديد من المنظمات الصغيرة و”الممالك” وبدأت في الظهور بشكل متكرر.
على سبيل المثال، أسس عضو في الحركة يُدعى بيتر فيتزيك “مملكة” في بلدة فيتنبرغ شرقي ألمانيا عام 2012، حيث يتلقى أي شخص يرغب في أن يصبح مواطنًا، مقابل رسوم، بطاقة هوية موقعة من “الملك بيتر الأول”.
بصرف النظر عن هذه المحاولات الهامشية، غطت وسائل الإعلام على نطاق واسع لفترة طويلة محاولات “مواطني الرايخ” والمنظمات اليمينية المتطرفة، اختراق مؤسسات الدولة، خاصة الجيش والشرطة.
ومنذ عام 2010، فقدت عشرات المسدسات وكميات ضخمة من الذخيرة والمتفجرات التابعة للجيش الألماني ولم يتم العثور عليها.
وفي عام 2017، تم الكشف عن أن الملازم أول فرانكو أ. التحق بالجيش الألماني “البوندسفير” بهدف القيام بانقلاب، واغتيال سياسيين.
وفي 20 مايو/ أيار 2021، قال المدعون العامون في ألمانيا إن “المدعى عليه، الملازم أول “فرانكو أ”، تصرف بدوافع يمينية متطرفة، بحسب ما ذكرت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية آنذاك.
إلا أن موريتز شميت فريك محامي “فرانكو أ”، دافع عنه، قائلاً إن “موكله كان ضحية لحملة تشهير”، ونفى أن يكون لديه ميول يمينية متطرفة.
بعد ذلك، مُنع أعضاء “مواطني الرايخ” من الحصول على تراخيص السلاح في 2018 حتى نهاية 2021، وبالتالي تم إلغاء تراخيص الأسلحة التي يملكها ألف و50 من أعضاء الحركة.
ولا زال 500 من أعضاء “مواطني الرايخ” يمتلكون أسلحة، وفق تقارير إعلامية ألمانية.
وتناقلت وسائل الإعلام الألمانية، على نطاق واسع رسائل أعضاء الحركة، التي كانت تخطط لانقلاب صباح يوم المداهمة (7 ديسمبر/ كانون أول الجاري)، عبر تطبيق “تلغرام” للتواصل الاجتماعي.
** مدبرو محاولة الانقلاب.. من هم؟
ينتمي الأعضاء الذين تم القبض عليهم في إطار الحملة الأمنية الأخيرة، إلى حركة “مواطني الرايخ”، وتضم العديد من الشرائح والجماعات.
من المعروف أن هذه الحركة مدعومة من قبل جماعة “Querdenker” اليمينية (المفكرون الجانبيون)، التي عارضت بشدة عمليات الإغلاق الحكومية المتعلقة بفيروس كورونا.
ووفقا لتقارير خدمة المخابرات الداخلية الألمانية “Verfassungschutz”، فإن عدد أعضاء الحركة يبلغ نحو 21 ألفاً، بينهم ألف من اليمنيين المتطرفين.
الحركة غير متجانسة، وتضم معارضي لقاحات كورونا، وأعضاء “حزب البديل من أجل ألمانيا”، واليمنيين المتطرفين.
ومن بين أعضاء الحركة، الذين تم اعتقالهم بتهمة التخطيط لمحاولة انقلاب مسلح، صباح الأربعاء (7 ديسمبر)، أمير سلالة نبيلة، هاينريش رويس، والنائبة السابقة في الحزب اليميني “البديل من أجل ألمانيا” بيرجيت مالساك وينكمان، وضابط الجيش الألماني السابق روديجر فون ب.
واعتقل أعضاء في حركة “مواطني الرايخ” بتهمة التآمر لقلب النظام الدستوري، وشن غارة مسلحة على البرلمان الألماني، والاستيلاء على السلطة.
وبحسب ادعاءات الجهات الرسمية، فقد خطط أعضاء الحركة وخاطروا بوقوع قتلى في انقلاب مسلح محتمل، ومحاولة اقتحام للبرلمان.
في واقع الأمر، تم إطلاع الإعلام أيضًا أن المعتقلين شكلوا مجلساً لفترة ما بعد محاولة الانقلاب المحتملة، وتقاسموا وزاراتهم فيما بينهم.
وفقًا لهذه الحركة، لا تزال ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية تحت الاحتلال، ويجب محاكمة السياسيين الحاليين، ومسؤولي الدولة في محكمة “نورمبرغ” العسكرية (هي سلسلة من اثنتي عشر محكمة عسكرية عُقدت في قصر العدل في “نورمبرغ” لمحاكمة جرائم الحرب) بتهمة الخيانة، اعتقادًا منها أن ألمانيا تحكمها حاليًا “دولة عميقة” (من المفاهيم الحديثة في العلوم الاجتماعية).
ويعترف أنصار الحركة بحدود الإمبراطورية الألمانية في عام 1871، إلا أنهم يرفضون أي وثائق رسمية، وينشئون هوياتهم، ورخص القيادة، وسندات الملكية الخاصة بهم.
ونظرًا لأنهم لا يعترفون بالشرطة والسلطات القضائية، فإنهم غالبًا ما يميلون إلى ارتكاب جرائم.
أعضاء الحركة، الذين يتواصلون مع بعضهم البعض عبر القنوات الرقمية، وخاصة البرقية، ويستخدمون اللونين الأسود والأبيض كرموز للعلم الإمبراطوري، يعيشون في الغالب بالمناطق الريفية الألمانية.
ووفقًا للسلطات الألمانية، فإن قدرة الحركة على اختراق النظام القضائي، والجيش وقوات الشرطة والبرلمان الألماني من خلال حزب البديل من أجل ألمانيا تجعل الحركة “أكثر خطورة”.
** ما أصداء وانتقادات العملية الأمنية الأخيرة في ألمانيا؟
توصف حملة مكافحة الإرهاب، التي اتُهم فيها 54 شخصًا، واعتقل 25 شخصًا، بأنها أكبر عملية لمكافحة الإرهاب في تاريخ ألمانيا بعد منظمة سلاح الجو الملكي البريطاني.
وحول العملية الأمنية، قال مكتب المدعي العام الفيدرالي، في بيان، إن “السلطات المختصة تراقب المجموعة منذ نوفمبر/ تشرين ثاني 2011، وأن المداهمة تم تنفيذها أخيرًا”.
أكبر الانتقادات التي تم الإعراب عنها فيما يتعلق بالعملية الأمنية أنها رافقتها وسائل الإعلام، وتم تداول التفاصيل مع مختلف وسائل الإعلام قبل أيام.
وبعد الحملة الأمنية واسعة النطاق في ألمانيا، زعمت النائبة عن حزب اليسار مارتينا رينر، في تصريح صحفي، أن “بعض وسائل الإعلام كانت تعلم منذ أسبوعين أن العملية ستنظم، الأمر الذي كان من شأنه أن يشكل خطرًا أمنيًا لمثل هذه العملية واسعة النطاق”.
وانتقدت رينر مشاركة المعلومات هذه التي “قد تجعل أعضاء مواطني الرايخ يتخذون الاحتياطات من خلال تحذيرهم مسبقًا”.
بينما يصف جميع السياسيين، وخاصة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، في تصريحاته مؤخراً، خطة الانقلاب المزعومة بأنها “تهديد خطير للديمقراطية، والنظام الدستوري الألماني”.
أما وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة النشطة في ألمانيا تزعم أن الحملة الأمنية الأخيرة هي عبارة عن مسرحية من قبل الحكومة بهدف تقييد حرية التعبير، وزيادة قمع الحركات اليمينية المتطرفة، والجماعات المناهضة للقاحات كورونا.
من الواضح أن الجمهور الألماني بدأ في مناقشة الطريقة التي تم بها تنفيذ العملية الأمنية، والتعاون بين وسائل الإعلام والشرطة والمخاطر المحتملة التي تخلقها.
وكالات