كشف الخبير الاقتصادي الأمريكي روبرت بولين عن وجود عدة تحديات سياسية وبيئية واقتصادية تحول دون “التحوّل الأخضر” في العالم.
وقال بولين وهو أستاذ في قسم الاقتصاد بجامعة ماساتشوستس الأمريكية، إن التحدي الأكبر أمام التحوّل الأخضر هو “إحجام الدول عن التخلي عن الوقود الأحفوري”.
وأضاف: “على الرغم من أن عدداً كبيراً من البلدان ينجذب نحو مصادر الطاقة النظيفة، كجزء من الاتفاقيات الأخيرة بشأن سياسات المناخ إلا أنه لا تزال هناك تحديات”.
وأشار إلى التحديات البيئية التي تعيق ذلك التحول قائلا: “الشمس لا تشرق دائمًا، والرياح لا تهب دائمًا، هذا يعني أنه يجب أن يكون لدينا تخزين عالي الجودة وبأسعار معقولة.”
وشدد بولين على أن التطورات في تقنيات الألواح الشمسية تجعل أنظمة الطاقة المتجددة متوفرة بشكل يومي.
وتابع: “البيانات الخاصة بتكاليف الطاقة الشمسية قد انخفضت بنسبة 80٪ في العقد الماضي”، لافتاً أيضا إلى تضاعف كفاءة الألواح الشمسية من 18 بالمئة إلى 40 بالمئة، بينما انخفضت التكلفة إلى 3 سنتات للكيلوواط في الساعة من 6 سنتات.
ولفت أيضاً إلى أن التكنولوجيات الحالية ساعدت في توليد الطاقة الشمسية حتى في الدول حيث المناخ البارد، شريطة توفر الأراضي أو المساحات اللازمة لوضع توربينات توليد الطاقة.
وأعطى مثالاً جامعة ماساتشوستس حيث يعمل “لدينا مبنى خالٍ من الانبعاثات الصفرية، ونحن في مناخ بارد، ليس لدينا مستوى عالٍ من ضوء الشمس أو الرياح”.
استيراد الطاقة النظيفة
اعتبر بولين أن عدم توفير المساحات اللازمة لوضع ألواح وتوربينات توليد الطاقة من التحديات التي قد تفرض على بعض الدول استيراد الطاقة النظيفة.
وتوقع الخبير الأمريكي أن تلجأ ألمانيا- على سبيل المثال- إلى استيراد الطاقة النظيفة من البلدان ذات الإمكانات العالية، للوصول إلى أهدافها الخالية من الصفر.
وأوضح للأناضول: “لا يمكننا أن نفترض أن ألمانيا ستكون قادرة على توفير مساحات لألواح شمسية يمكنها تشغيل 100٪ من اقتصادها، لذلك ستكون هناك طاقة متجددة مستوردة، وهذا يستلزم وجود نظام نقل عالي الجودة”.
واستدرك: “نحن نتحدث عن الاستيراد من شمال إفريقيا حيث الصحراء الكبرى التي يمكن الاعتماد عليها في توليد الطاقة الشمسية”.
وعلى هذا النحو، أشار بولين إلى أنه لا يمكن توقع حدوث مثل هذا التحوّل على الفور.
وأردف: “التحول للطاقة الخضراء يمكن أن يحدث على مدى عقد من الزمن من خلال فهم كيفية بناء الهياكل الموفرة للطاقة، وكيفية الاستفادة من الطاقة الحرارية الأرضية كمصدر تكميلي باستخدام مزيج من الرياح والطاقة الشمسية كمصدر أساسي لك”.
الحصول على المعادن دون تكاليف بيئية
كشف بولين أن التحدي الكبير الآخر الذي يعيق التحول الأخضر هو “استخدام المعادن كمصادر للطاقة المتجددة”.
وقال: “إذا كنا نقوم بتوفير 100 بالمئة أو 90 بالمئة من الطاقة المتجددة العالمية، فسنكون بحاجة لمعادة غير متوفرة لدينا حالياً”.
وأشار إلى أن الكوبالت والليثيوم لهما أهمية كبيرة من حيث مصادر الطاقة المتجددة.
وتساءل: “من أين نحصل على هذه الإمدادات؟ هل يمكننا بالفعل زيادة الطلب 6 إلى 7 أضعاف دون خلق تكاليف بيئية ضخمة أخرى ودون استغلال العمالة؟”
مشكلات التمويل العالمية
وتطرّق بولين في حديثه للأناضول إلى صعوبة التمويل في مجال الطاقة المتجددة، إلا أنه أكد إمكانية التغلب على مشكلات التمويل بسهولة عند تقييمه من منظور تقني.
وقال: “إذا كانت حساباتي صحيحة وتتوافق مع نماذج أخرى، يمكن استخدام 2.5٪ من الناتج المحليّ الإجمالي لتمويل التحوّل الأخضر”.
وأضاف: “أعني أنه خلال الإغلاق المرتبطة بجائحة كورونا في الولايات المتحدة، ضخّ الاحتياطي الفيدرالي 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي لإنقاذ (بورصة) وول ستريت وذلك في غضون أسابيع ودون مناقشة. لذا، فإن العثور على 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي أمرٌ سهل”.
– الاهتمامات الشخصية: التحدّي الأكبر
وفي تقييمه للقيمة الاقتصادية لصناعة الوقود الأحفوري، قال بولين إن المصالح الشخصية “تتلاعب بسياسات المناخ”.
وأضاف للأناضول “الأمر سياسيّ بحت، هناك مصالح ذاتية ضخمة من صناعة الوقود الأحفوري وهذه الصناعة بشكلٍ عام”.
وأشار بولين إلى النسخة السادسة والعشرين من مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي، حيث تعهّدت أكثر من 40 دولة بالتخلص التدريجي من استخدام الفحم في العقود القادمة للحدّ من الاحتباس الحراري بمقدار 1.5 درجة مئوية.
وقال: “لا أحد يريد التخلي عن قطاع النفط والغاز البالغة قيمته 14 تريليون دولار، وهذه هي القضية الأكبر”.
وكان “اتفاق باريس” لعام 2015 دعا إلى الالتزام بخفض درجات الحرارة العالمية إلى ما هو “أقل بكثير” من درجتين مئويتين، والسعي بجهد للحد من الاحتباس الحراري بحيث لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية.
ولكن منذ ذلك الحين، وجدت أحدث التطورات في علم المناخ أن درجتين مئويتين غير كافيتين لتجنب الآثار السيئة لتغير المناخ، مطالبة بضرورة تحديث الهدف إلى 1.5 درجة مئوية.
وكالات