تقارب إسبانيا مع المغرب.. تغيرات دولية وملفات عالقة
بعد أشهر عجاف، ترتفع منذ أيام وتيرة خطوات رسمية تعيد العلاقات بين المغرب وإسبانيا إلى سيرتها الأولى.
البداية كانت في 18 مارس/ آذار الجاري، عبر رسالة بعث بها رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، إلى عاهل المغرب الملك محمد السادس.
في هذه الرسالة وصفت مدريد مبادرة الرباط للحكم الذاتي بأنها “الأكثر جدية” لتسوية النزاع في إقليم الصحراء، وفق بيان للديوان الملكي المغربي.
ويقترح المغرب حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادته، بينما تدعو جبهة “البوليساريو” إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
رسالة سانشيز جاءت في ظل أزمة مرت بها علاقات البلدين، منذ أن استقبلت مدريد في أبريل/ نيسان الماضي زعيم “البوليساريو” إبراهيم غالي بـ”هوية مزيفة” ومن دون إبلاغ الرباط بذلك.
ولاحقا، قالت مدريد إنها استقبلته لأسباب إنسانية صحية، فيما اعتبرت الرباط الأمر “خيانة وطعنة في الظهر”.
وزاد من تعميق الأزمة، تدفق حوالي 8 آلاف مهاجر غير نظامي، بين 17 و20 مايو/أيار 2021، من المغرب إلى مدينة سبتة الواقعة شمالي المملكة والخاضعة لإدارة إسبانيا وتعتبرها الرباط “ثغرا محتلا”.
وفي الشهر نفسه، استدعت الرباط سفيرتها لدى مدريد للتشاور، بعد أن استدعتها الخارجية الإسبانية احتجاجا على تدفق المهاجرين غير النظاميين من المغرب.
واعتبر أكاديمي، في حديث للأناضول، أن موقف مدريد الجديد من الحكم الذاتي يمثل خطوة أولى ستمهد الطريق لفتح صفحة جديدة تحتاج إرادة قوية لوجود ملفات عالقة يجب الاشتغال عليها.
فيما ذهب محلل سياسي إلى أن خلف التغير الإسباني تحولات مرتبطة بالطاقة والأمن الغذائي جراء الأزمة الروسية الأوكرانية، فمدريد ستحتاج منتوجات فلاحية من الرباط.
** ترحيب مغربي
الرباط من جانبها رحبت بموقف مدريد الجديد بشأن النزاع في إقليم الصحراء، بعد أن كانت تقول إنها تتبنى “الحياد”.
وقالت وزارة الخارجية، عبر بيان في 18 مارس الجاري، إن الرباط “تثمن عاليا المواقف الإيجابية والالتزامات البناءة لإسبانيا بخصوص قضية الصحراء المغربية، والتي تضمنتها الرسالة التي وجهها إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز”.
وبعد يومين من رسالة سانشيز، أعلنت السفيرة المغربية لدى مدريد كريمة بنيعيش، أنها عادت إلى إسبانيا لاستئناف مهامها بعد انتهاء أزمة بين البلدين دامت سنة.
ومن المنتظر أن يزور وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريز الرباط، نهاية مارس الجاري، بحسب الخارجية المغربية.
وستتم أيضا “برمجة زيارة لرئيس الحكومة الإسبانية إلى المملكة المغربية في وقت لاحق”، وفق الوزارة.
** خطوة أولى
واعتبر الأكاديمي المختص في العلاقات الدولية محمد العمراني بوخبزة، في حديث للأناضول، أن “التحول في الموقف الإسباني من قضية الصحراء هو خطوة أولى ستمهد الطريق لفتح صفحة جديدة”.
وقال بوخبزة، عميد كلية الحقوق بجامعة عبد المالك السعدي (حكومية) في تطوان (شمال)، إن هذه “الصفحة الجديدة ستحتاج إلى إرادة قوية لوجود ملفات عالقة يجب الاشتغال عليها”.
وبين هذه الملفات العالقة: الحدود البحرية والهجرة غير النظامية ومدينتا سبتة ومليلية المتنازع عليهما بين البلدين.
وتابع بوخبزة: “الموقف الجديد هو تحول في الاتجاه الصحيح، وتعبير واضح لا لبس فيه، بمثابة تحول للمضي بالعلاقات إلى مستويات (أفضل)”.
وأردف أن “الشريك الإسباني تفاعل مع ما عبر عنه المغرب من تطلعات وأسس لضبط العلاقات بين الجانبين على أساس المصالح المشتركة والثقة المتبادلة ومبدأ الوضوح”.
** تحول استراتيجي
وقال المحلل السياسي محمد بودن، للأناضول، إنه “بالنسبة للمغرب لم يكن الهدف هو الخروج من الأزمة، بل الحصول على تحول استراتيجي في الموقف الإسباني”.
وأضاف بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية (غير حكومي)، أن “الموقف الإسباني يمثل مؤشرا على تحول استراتيجي، وأيضا عامل آخر من العوامل المحفزة لتعزيز الشراكة بين الجارين”.
وزاد بأن “إسبانيا يهمها الاستقرار في الفضاء الأطلسي، لذلك حدث التحول في موقفها”.
وأوضح أن “هناك أيضا المتطلبات الأمنية، خاصة ما يتعلق بمكافحة الإرهاب وأيضا معالجة ملف الهجرة”.
وفي رسالته، أكد رئيس الحكومة الإسبانية “عزمه العمل جميعا من أجل التصدي للتحديات المشتركة، ولاسيما التعاون لتدبير تدفقات المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، والعمل على الدوام في إطار روح من التعاون الكامل”.
ووصف بودن الموقف الإسباني الجديد من مبادرة الحكم الذاتي في إقليم الصحراء بأنه “مهم جدا”.
وأرجع ذلك إلى أن “إسبانيا لها مسؤولية تاريخية، وهي أحد أعضاء مجموعة أصدقاء الصحراء المغربية، وأيضا تساهم في الجهود الأممية لحل النزاع”.
والنزاع حول إقليم الصحراء بدأ عام 1975، بعد انتهاء الاحتلال الإسباني للمنطقة، ثم تحول إلى صراع مسلح استمر حتى 1991، حين تم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة.
وقال بودن إن “الموقف الجديد لإسبانيا يأتي في ظل دينامية دولية تساند الحكم الذاتي، باعتباره الأساس المنطقي والجدي لحل النزاع في الصحراء”.
وأضاف أن “إسبانيا تتابع مواقف الدول الكبرى، أمريكا وألمانيا، وأيضا دعم مجلس التعاون الخليجي، ودينامية فتح قنصليات في أقاليم الصحراء”.
وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب اعتراف بلاده بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، وفتح قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة بالإقليم.
وفي اليوم نفسه، أعلنت الرباط عزمها استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بعد أن توقفت عام 2000، رفضا للقمع الإسرائيلي للانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى).
** تحولات كبرى
ووفق بودن، فإن “المغرب وكذا إسبانيا يتعاملان مع علاقات دولية متشابكة، وبالتالي وجب التعامل مع الوضع الدولي كما هو، وليس كما تتمنى أي دولة”.
وزاد بأن “هناك تحولات مرتبطة بالطاقة والأمن الغذائي بالتزامن مع الأزمة الروسية الأوكرانية، ساهمت في دفع إسبانيا إلى وضع حد لأزمتها مع المغرب”.
ومنذ 24 فبراير/ شباط الماضي، تنفذ روسيا عملية عسكرية في جارتها أوكرانيا، ما دفع عواصم عديدة إلى فرض عقوبات اقتصادية ومالية ودبلوماسية على موسكو.
وروسيا هي أحد أبرز موردي النفط والغاز، وهي وأوكرانيا من الموردين الرئيسيين للقمح.
وتابع بودن: “ستكون إسبانيا محتاجة اليوم أكثر للمغرب، بخصوص استيراد بعض المنتوجات الفلاحية، وأيضا الأسمدة التي سيرتفع عليها الطلب، بينما المغرب من الدول المصدرة لها”.
متفقا مع بودن، اعتبر بوخبزة أن هناك “تحولات كبرى تقع على المستوى الدولي والإقليمي.. إسبانيا تدرك حجمها وتدرك الأدوار الجديدة للأطراف الإقليمية”.
ولفت إلى أن “علاقات المغرب وإسبانيا تاريخية، لكن هناك تغيرات على المستويين الإقليمي والدولي، وجب أخذها بعين الاعتبار”.
وكالات