مجمتع

جمعية التحدي للمساواة والمواطنة تدعو إلى استجابة طال انتظارها للمطالب المحقة للنساء.

يخلد العالم ومعه المغرب، ذكرى اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف يوم 8 مارس، في ظل وضع اقتصادي ومعيشي تكالبت عدد من الظروف والعوامل لتجعل منه وضعا صعبا للغاية بالنسبة لقطاعات واسعة من الشعب المغربي، فبالإضافة لتداعيات كورونا وما رافقها من كساد طيلة ثلاث سنوات، تأتي اليوم قلة التساقطات، لتنبأ بموسم فلاحي ضعيف، سيؤثر لا محال على دخل عدد كبير من الأسر المغربية لاسيما في العالم القروي، هذا ويزيد الارتفاع المهول للأسعار من حدة الوضع وقتامته، دون الحديث عن الحرب الدائرة رحاها بين روسيا وأوكرانيا وتأثيراتها الحتمية على بلد استهلاكي يعتمد اعتمادا كليا على موارد الطاقة المستوردة، لاسيما النفط ومشتقاته.
بالمقابل، في مواجهة كل هذه التحديات، نسجل أداء حكوميا لازال لم يرقى لمستوى تطلعات الشعب المغربي خاصة وأن الحكومة الحالية أتت في سياق خاص، لتطرح نفسها في الساحة السياسية كبديل لسابقتها وتعطي وعودا بالسير قدما في مسلسل الإصلاحات وتجاوز مشكل البطء الذي لازم الأداء الحكومي لمدة طويلة، خاصة كذلك وأن الحكومة الحالية مسلحة بتقرير النموذج التنموي الجديد، الذي صرف من أجل إعداده جهد مالي وفكري هائل، والذي لم يكتفي بتشخيص الداء بل أبدع في اقتراح الدواء، مبطلا بذلك كل الذرائع والحجج الذي قد يسوقها أعداء التغيير وليربط الإصلاح بالتنفيذ وبالتالي بمدى توفر الإرادة السياسية.
كان لزاما في سياق تخليد اليوم العالمي المرأة، واستعراض المعطيات المرتبطة بأوضاع النساء المغربيات، إعطاء هذه الصورة المختصرة عن الوضع العام وذلك لسببين:
أولهما أن النساء جزء لا يتجزأ من هذه الصورة ومن هذا الواقع ولسن منفصلات عنه.
وثانيهما أن النساء التي تعانين التمييز والدونية في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية “عادية” لا يمكن أن تزيدهن ظروف بقسوة الظروف الحالية إلا ظلما وتهميشا…، فالنساء الغارقات في الفقر والهشاشة أصلا، اللاتي تتوزعهن البطالة، القطاعات الغير مهيكلة والعمل الغير المأجور إن كان من خلال العمل المنزلي أو من خلال مساهمتهن الأساسية في القطاع الفلاحي( ثلثـي النسـاء العامـلات فــي الوسـط القـروي لا يتقاضين أي أجـر)، هن، دون أدنى شك، الأكثر عرضة لتحمل تداعيات الأزمات الاقتصادية.
ينبغي التذكير في هذا السياق بتراجع نسبة النساء العاملات إلى 23.2 % عوض 30.4 % كما أن المساهمة الاقتصادية للنساء تعد من بين الأضعف في العالم.
أما بخصوص المسـاواة بين الجنسين، تجدر الإشارة إلى الضعف المسجل على هذا الصعيد إذ يحتل المغرب حسـب التقريـر العالمـي للفجـوة بيـن الجنسـين لســنة 2019 الرتبــة 143 من بيــن 153 دولــة
من جهة أخرى، لازالت النساء المغربيات عرضة لكل أشكال العنف، نفسي، جسدي، اقتصادي، جنسي، الكتروني، قانوني…، بل أخذ في السنوات الأخيرة أبعادا إجرامية ووحشية غير مسبوقة إذ انتشرت حالات الاغتصاب الوحشي، المفضي إلى القتل في بعض الأحيان، التحرش والاغتصاب الجماعيين سواء في الشارع العام أو في أماكن مغلقة والتي تصور في كثير من الأحيان من طرف الجناة أنفسهم، تعبيرا عن سادية سافرة وعن متعة في إيذاء النساء، ثم تنشر عبر وسائط الاتصال الاجتماعي. عنف تغذيه الثقافة الذكورية المتحكمة في المجتمع المغربي والتي يحملها أفراده رجالا ونساء، ويعملون بشكل مباشر أو غير مباشر، عن قصد أو غير قصد، على إعادة إنتاجها و تأبيدها.
كل ذلك في ظل عجز واضح لكل الآليات المؤسساتية والتدابير القانونية التي تم اتخاذها لحد الآن عن ضمان بيئة آمنة للنساء وفي ظل غياب إستراتيجية واضحة ومتكاملة من أجل تحقيق ذلك.
– فالقانون 103-13 المتعلق بمكافحة العنف ضد المرأة والذي لا يشكل قانونًا في حد ذاته بل مجموعة من التعديلات التي تم إدخالها على القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، يشكو من عدد من النواقص ذلك أنه لا يستجيب للمعايير الدولية، يفتقد لمرجعية متماسكة وواضحة في اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي من منطلق الحقوق الأساسية الإنسانية للنساء، يفتقر لتصدير أو توطئة تشكل فلسفة مرجعية له وإطارا موجها لمقتضياته، يهتم بالزجر لكنه يغفل الوقاية، الحماية، وجبر الضرر، لا ينص على عكس عبء الإثبات لاسيما بالنسبة للاغتصاب أو التحرش الجنسي الشيء الذي يساهم في ثني الضحايا عن رفع الدعوى، يحد من إمكانيات تنصيب الجمعيات كطرف مدني، كما أنه لا ينص على محاسبة السلطات المختصة التي لا تحترم مقتضياته أو تمتنع عن تنفيذها.
– شكلت مدونة الأسرة إبان دخولها حيز التنفيذ في 2003 ثورة بكل المقاييس، لكنها أضحت متجاوزة الآن وتشكو من عدة فراغات وتناقضات تكرس التمييز ضد النساء ، بل أضحت توفر تربة للتلاعب بالحقوق الإنسانية للنساء والفتيات لاسيما فيما يخص تعدد الزوجات، تزويج القاصرات، الولاية على الأبناء، إثبات النسب…
– بالرغم من تعدد الدوريات التي تهدف إلى تحسين القانون رقم 37.99 المتعلق بالحالة المدنية، يظل هذا الأخير أحد التجليات الصارخة للثقافة الأبوية، إذ لازال يكرس التمييز ضد النساء ويمعن ظلما في وصم فئة عريضة منهن وأطفالهن.
– بالرغم من دخوله حيز التنفيذ منذ سنتين، لازال القانون 19-12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل الخاصة بالعاملات والعمال المنزليين يفتقد التفعيل إذ لا تزال الغالبية العظمى من هذه الفئة تشتغل في أوضاع لا إنسانية ومقصية من نظام التغطية الاجتماعية ، ولازال القطاع يشغل الفتيات مادون 18 سنة بكثافة.
بناء على كل ما سبق تدعو جمعية التحدي للمساواة والمواطنة إلى ما يلي:
1. ضرورة فرض احترام وتطبيق الدستور، لاسيما من خلال إصلاح باقي التشريعات القانونية والعمل على ملاءمتها للقانون الأسمى للبلاد وفي احترام تام لسمو الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
2. إرساء هيأة المناصفة ومناهضة كافة أشكال التمييز وتعديل القانون 79-14 المنظم لهذه الأخيرة بالشكل الذي يضمن استقلاليتها ويمنحها صلاحيات شبه قضائية وصلاحيات واسعة من أجل النهوض بالحقوق الإنسانية للنساء وصيانتها ويعزز استقلاليتها وأدوارها الاستشارية في مراقبة ومتابعة سن التشريعات ووضع السياسات العمومية وفق مبادئ باريس.
3. إصلاح القانون الجنائي والقانون 103-13 المتعلق بمكافحة العنف ضد المرأة، لاسيما من خلال توضيح والتدقيق في المفاهيم القانونية وملاءمتها للمعايير الدولية، إدماج نظام الحماية، إقامة بنيات لاستقبال النساء ضحايا العنف والنساء المطرودات من منزل الزوجية، الاعتراف بالاغتصاب الزوجي ، احترام الحريات الفردية وإلغاء المادة 490 من القانون الجنائي ، توسيع نطاق القانون 103-13 ليشمل العنف الرقمي ضد النساء الذي يتزايد حجمه ويتخذ أشكالًا كارثية بشكل متزايد.
4. إصلاح شامل لمدونة الأسرة لاسيما عبر إلغاء المادتين 20 و 21 اللتان تسهلان الالتفاف على القانون وتزيدان من تفاقم ظاهرة تزويج القاصرين/ات، جعل الخبرة ملزمة للكل الأطراف من أجل إثبات البنوة، معالجة الثغرات التي تتيح للمنفق التهرب من مسؤولياته عبر إلغاء القسم و عكس عبء الإثبات، ، تسهيل إجراءات الطلاق بالنسبة للنساء المغربيات المتزوجات من الأجانب الذين يختفون لفترات طويلة، تفعيل المادة 49 وتوضيح الإجراءات التطبيقية الخاصة بها والاعتراف بقيمة عمل النساء وتثمين مساهماتهن داخل بيت الزوجية، جعل الوصاية القانونية على الأبناء مسؤولية مشتركة بين الزوجين بما ينسجم مع روح المادة 4 التي تضع الأسرة تحت مسؤولية الزوجين على قدم المساواة.
5. إصلاح القانون رقم 37-99 المتعلق بالحالة المدنية بما يضمن احترام إنسانية المرأة ومصالح الطفل الفضلى.
6. العمل على التطبيق الفعلي للقانون 19.12 المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل الخاصة بالعاملات والعمال المنزليين، بما يضمن حماية حقوق عاملات المنازل ووضع حد لاستغلال الفتيات الصغيرات.
7. تفعيل دور خلايا التكفل النساء ضحايا العنف وترجمة الممارسات الجيدة إلى إجراءات وبروتوكولات موحدة وواضحة، معروفة لجميع النساء ومعترف بها من قبل جميع المتدخلين، كما يجب وضع حد لتنوع التفسيرات التي غالبًا ما تؤدي إلى إشاعة الارتباك وخلق حالات اللبس والمفاهيم المبهمة ، مما يجعل من الصعب على النساء الحصول على كامل حقوقهن.
ختاما تجدر الإشارة إلى إحدى أهم استنتاجات التقرير النموذجي التنموي برأينا، الذي أقر باستمرار التأخر في تفعيل القوانين بل بوجود فجوة حقيقية بين بعض المقتضيات القانونية وبين الواقع الاجتماعي للنساء في المغرب مما يشكل”عائقا رئيسيا لتسريع وثيرة التطور الاقتصادي والاجتماعي للبلاد”.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى