ارتفعت في الآونة الأخيرة، وتيرة إقبال دول عربية على إعادة علاقاتها مع نظام بشار الأسد، فيما يبدو وكأنه إطار تطبيع متسارع، خصوصا بعد زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لواشنطن، الشهر الماضي.
كما أجرى وزراء خارجية كل من مصر والأردن وتونس والجزائر والعراق وعُمان، لقاءات مع فيصل المقداد وزير خارجية النظام السوري، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
فقد أعاد الأردن، فتح “معبر جابر” الحدودي مع سوريا، بعد إغلاق دام 60 يوما، إثر تطورات أمنية على الجانب السوري.
وشهد المعبر حركة نشطة فور إعادة فتح البوابة الرئيسية له، حيث بدأت عشرات المركبات بالعبور من وإلى كلا الجانبين.
ويأتي الانفتاح الأردني على النظام السوري، نتيجة رغبة الأردن في لعب دور سياسي بالملف السوري، من خلال إعادة إحياء مشروع خط الغاز العربي، والذي على ما يبدو أن الملك الأردني حصل من الإدارة الأمريكية على موافقة بإعادة تشغيله، عبر استثنائه من عقوبات قانون قيصر، بحجة تزويد لبنان بالغاز، من أجل إبعاده عن إيران.
وكان ملك الأردن أول الناصحين لبشار الأسد بالرحيل في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، إضافة إلى أن غالبية الشخصيات السياسية الأردنية لم تتردد يوماً في إدانة جرائم نظام الأسد، فضلا عن احتضان الأردن لمئات الآلاف من السوريين الفارين من بطش الأسد.
الاستدارة أو الهرولة الأردنية المتسارعة نحو دمشق، لا يمكن تفسيرها من منظور اقتصادي بحت، كما يصر الجانب الأردني على تسميتها، فقد شهدت العلاقات بين عمان ودمشق قفزات كبيرة على نحو مستغرب، بدأت بزيارة وفد يضم مسؤولين كبار في نظام الأسد إلى العاصمة الأردنية، على رأسهم وزراء النفط والكهرباء والنقل، وذلك لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، تلتها زيارة وزير دفاع النظام قبل نحو أسبوع.
ثم توجت العلاقات باتصال رأس النظام السوري بشار الأسد بالعاهل الأردني هاتفيا، ما يدل دلالة واضحة على أن مسار العلاقات قد أخذ أبعاداً سياسية أكبر بكثير من الشق الاقتصادي.
بل يمكن اعتباره خطوة جريئة متقدمة نحو إعادة تأهيل بشار الأسد كرئيس شرعي، بدليل تصريح الملك عبد الله نفسه لمحطة CNN الأمريكية أن “النظام السوري باق”.
نجح نظام الأسد في ابتزاز الأردن من خلال جلب ميليشيات إيرانية قريبا من حدوده، والتهديد بزعزعة الأمن والاستقرار فيه، لكن خيبة الأمل الكبيرة في الأردن تجاه دول الخليج، تعد العامل الأبرز والدافع الأساس للتحركات الأردنية الأخيرة.
إذ بات الأردن يعتبر التوجهات الخليجية الجديدة، ضارة بمصالحه الاستراتيجية، مما جعله يطرق باب الطرف المقابل، في محاولة للضغط على المملكة العربية السعودية تحديدا، من خلال بناء علاقات مع نظام الأسد، في خطوة تمهد لعلاقات أوسع مع إيران.
ومما زاد الطين بلة، كشف ما سمي بمؤامرة باسم عوض الله، واتهام شقيق الملك الأمير حمزة بمحاولة تغيير الحكم، الأمر الذي دفع بالأردن إلى الابتعاد أكثر عن السعودية، والتواصل عبر العراق مع الحرس الثوري الإيراني، ومع مكتب الإمام على خامنئي، لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع إيران.
**دلالات التطبيع مع نظام الأسد
من الواضح أن عملية التطبيع مع نظام الأسد بقيت خيارا حاضرا ضمن أجندات بعض الدول العربية، تنتظر الفرصة المواتية لتفعيلها، حيث قامت كل من الإمارات والبحرين بفتح سفارتيهما في دمشق، لتنضم إلى مجموعة من الدول العربية التي لم تغلق سفاراتها أساسا، مثل مصر والأردن والعراق وعمان والجزائر.
لكن مسار قطار التطبيع ظل مرتبطا بالمواقف والتفاهمات الدولية حيال القضية السورية، وبسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، خصوصا بعد قانون قيصر، الذي انتظر منه السوريون الكثير على صعيد، إبقاء الدول على مسافة من النظام السوري، وكف يد إيران عن التدخل السافر في سوريا.
بينما تبدو إدارة الرئيس جو بايدن متجهة نحو تطبيق استثناءات قانون قيصر قبل تفعيلها للقانون نفسه عمليا، فقد منحت كلا من الأردن ولبنان استثناءات هامة، بذريعة حل أزمات لبنان المستفحلة، وخاصة في مجال الطاقة، وبهدف تقديم عوائد وفوائد مالية واقتصادية إلى الأردن، الذي يبحث عن حلول لتدهور أوضاعه الاقتصادية والمعيشية، نتيجة الأزمات الخانقة التي تعصف به.
**موقف دول الخليج من التطبيع مع نظام الأسد
انخرطت دول الخليج في المسألة السورية منذ الأيام الأولى للثورة السورية، بعد أن اختار بشار الأسد مواجهة الاحتجاجات الشعبية بالنار والقتل والتعذيب والترهيب، وكان لها دور مؤثر فاعل على الساحة السورية، اعتراه الضعف بعد الخلافات الخليجية، ثم تضاءل مع التدخل العسكري الروسي في سوريا.
تحتفظ دول الخليج بوزن سياسي واقتصادي حيوي، وتتمتع بعلاقات متينة مع الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن، وبالدول الأوروبية، والدول الفاعلة على الساحة الدولية، مما يتيح لها لعب دور سياسي فاعل يسهم في حل مشاكل المنطقة وعلى رأسها الأزمة السورية.
لكن، وبالرغم من امتلاك دول الخليج لأوراق ضغط عديدة تؤهلها للعب دور سياسي نشط، من خلال الدفع باتجاه تفعيل الحل السياسي في سوريا، إلا أن الخلافات البينية، وغياب استراتيجية موحدة تجاه القضية السورية، وتباين المواقف تجاه ايران، أسباب مجتمعة جعلت الدور الخليجي معطلا مشلولا، مقتصرا على الجانب الإنساني فقط.
**موقف الولايات المتحدة
تعتمد الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، بالدرجة الأساسية، على ما تسميه محاربة الإرهاب أو محاربة تنظيم داعش، لأجل ذلك لم تر واشنطن بأسا في عقد حلف استراتيجي مع مليشياتPYD الفرع السوري لمنظمة PPK الانفصالية، بمفارقة عجيبة، تقوم على محاربة الإرهاب بإرهاب من لون آخر.
وتسعى ثانيا، إلى خفض التوتر، ومنع الحسم العسكري، ووقف الاشتباك بين الأطراف المتصارعة، وفتح الطريق أمام المساعدات الإنسانية.
وثالثا، منع فتح ملف الإعمار إلا بعد الشروع في حل سياسي، لذلك باءت جميع محاولات الروس الرامية لفتح هذا الملف بالفشل.
ورابعا، اصطدمت محاولات بعض الدول الخليجية بالتطبيع الاقتصادي مع نظام الأسد بالفيتو الأمريكي.
أما الموقف الأوروبي تجاه مسألة التطبيع مع نظام الأسد، فهو واضح وثابت الى حد كبير، وهو يربط إعادة الإعمار وإعادة العلاقات الدبلوماسية، بالحل السياسي في سوريا، وهو بذلك يتماهى بشكل شبه تام مع الموقف الأمريكي.
في المحصلة يبدو أن إدارة بايدن تؤيد تطبيعا إقليميا مع نظام بشار الأسد، لذلك لم تبد معارضة تجاه الاندفاع العربي نحو تطبيع العلاقات مع دمشق، الذي ارتفعت وتيرته مؤخرا.
بل إن بايدن أعطى تأكيدات صريحة بأنه لن يُعاقب المطبعين مع نظام الأسد بموجب “قانون قيصر”، بحجة أن 10 سنوات من العزلة والضغط على الأسد لم تسفر عن أي تقدم في التسوية السياسية، بينما العقوبات أدت إلى تفاقم معاناة السوريين، وأن “الانخراط العربي يمكن أن يضعف القوة الإيرانية في سوريا”.
ثمة سعي حثيث من طرف إدارة بايدن نحو ترتيب عملية (سياسية) جديدة في سوريا، وشرق الفرات على وجه الخصوص، تجلى ذلك بوضوح من خلال حفاوة استقبال الأمريكان لوفد قسد برئاسة إلهام أحمد، مقابل تجاهل شبه تام لوفد المعارضة السورية، المشكلة من الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض.
وبهذا السياق ربما تذهب واشنطن لجهة التعامل مع بعض الشخصيات داخل نظام الأسد، ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين، مقابل الضغط على النظام لكي يتخلص من عناصره الذين ارتكبوا جرائم حرب.
** العقبة التركية أمام التطبيع مع نظام الأسد
تبذل موسكو قصارى جهودها الدبلوماسية والسياسية من أجل تعويم نظام الأسد، وإعادته إلى جامعة الدول العربية. لكنها تواجه عقبات كثيرة بهذا الخصوص، على رأسها الموقف التركي، الرافض للتطبيع مع النظام، أو الاعتراف به.
وتبدو روسيا واثقة من قدرتها على تطبيع العلاقات بين نظام الأسد ومحيطه العربي، لكن مهمتها في إقناع أنقرة بضرورة التطبيع مع نظام الأسد، تبدو شبه مستحيلة، حيث تشير تصريحات المسؤولين الأتراك، إلى فشل موسكو بإقناع أنقرة بفكرة التقارب مع نظام الأسد، حيث شدد الرئيس رجب طيب أردوغان، على أن نظام الأسد يشكل تهديداً في جنوب تركيا.
تركيا لا تزال تشكل عقبة كأداء أمام استكمال عملية تعويم نظام الأسد، لكونها ترفض الاعتراف به، أو السماح له بالاقتراب أكثر نحو حدودها الجنوبية، وهو أمر يسبب ازعاجا كبيرا لروسيا، ويدفعها للضغط، من خلال توسيع نطاق القصف، على أمل تحقيق مكاسب جديدة.
الأيام القليلة القادمة حبلى بتطورات عديدة، على صعيد تحركات الدول الفاعلة على الساحة السورية.
وكالات