سياسة

مصطفى بوݣرن يكتب: لماذا أقاطع الانتخابات؟

خرج شباب العشرين فبراير إلى الشارع، تفاعل الملك مع الغضب بأسلوب إيجابي، خطب، فجاء دستور 2011. ماذا يعني ذلك؟. يعني الاتفاق على قواعد جديدة -هذه الجدة ليست مطلقة هي نسبية، لأن الملك ظل حاضرا بقوة- في المشهد السياسي.
حان موعد اختبار هذه القواعد في أول مباراة، الانتخابات التشريعية في نونبر 2011. تشكلت الحكومة في ظرف قياسي، لا يتجاوز الشهر، وانطلق بنكيران للعمل مع فريقه. ظن الجميع أن اللاعبين الأساسيين احترموا قواعد اللعب، لكن الاحترام كان فقط، في القبول بنتائج الانتخابات، أما الصراع على تأويل الوثيقة الدستورية فقد انطلق مباشرة، بعد صدوره في الوثيقة الرسمية.
اكتشفنا أن اللاعب بنكيران لا يريد أن يدافع عن صلاحياته بمبرر أنه لا يريد الصراع مع الملك، والمغرب لا يحكمه الدستور فقط، بل يحكمه الأعراف والتقاليد، حتى أن بنكيران أخرج من التراث لقب السلطان، وأصبح يروجه بقوة بعد الربيع الديمقراطي، وبدأ يقول: لو ادخلني الملك إلى السجن لا مشكلة عندي، كأنك تسمع لشاعر يخاطب خليفة عباسي.
كان الأولى أن يدافع بنكيران عن صلاحياته الدستورية لا أن يخوض حروبه الكلامية. أما الأحزاب المنخرطة في الائتلاف الحكومي، قبلت بنتائج الانتخابات، لكنها وقفت سدا منيعا ضد بنكيران، وأراد شباط الانقلاب على الشرعية الانتخابية، وخرج من الحكومة ليسقطها. اشتد الصراع وأصبح الفاعلون المرئيون على قلب رجل واحد لمواجهة بنكيران، فأصبحت المعركة سياسية حزبية ضيقة، لا ترقى لما حلم به الشباب، وجاء به دستور 2011.
اللاعبون السياسيون الأساسيون يتحركون وفق معطيات اخرى داخلية وخارجية، ولسان حالهم: بللوا ورقة الدستور في ماء ساخن واشربوه.
جاءت انتخابات أكتوبر 2016، فاتضح للجميع، أن الفاعلين بعدما أساؤوا للوثيقة الدستورية، كل بحسب موقعه في موازين القوة، وانطلق كل طرف يؤول الدستور بحسبها في الواقع، اكتشف الأقوياء، أن الدستور أصبح معرقلا للعملية السياسية، فتمت التضحية به في مارس 2017، حين أعفى الملك بنكيران، وهذا الإعفاء جاء تتويجا لمسار من بهدلة “زعيم البيجيدي” الذي كان يرى أن المغرب لا يحكمه الدستور فقط، بل تحكمه الأعراف والتقاليد أيضا، فالتزم الصمت وذهب للنوم في بيته وقبل بهدية السبع ملايين، وترك شباب 20 فبراير يندبون حظهم العاثر. قبل حزب العدالة والتنمية، بالانقلاب على شرعية الانتخابات، وتمت سرقة إرادة الناخبين الذين كانوا يرفعون صوتهم بالليل والنهار: الشعب يريد بنكيران من جديد. وكان بنكيران يقول لهم: صوتو علينا وخليونا منا ليهم. دون أن يفهموا حقيقة هذه الرسالة، والآن فهموها جيدا.
توافق اللاعبون الأساسيون في المشهد على التخلص من عراقبل الدستور، وتم تسهيل تشكيل حكومة في أحد عشر يوما للعثماني، الذي جييء به، ولم يصدق أنه اصبح رئيس حكومة، ولازال مندهشا إلى الآن: كيف أصبح رئيسا للحكومة؟ ولذلك الكثير من تعليقاته فيها الكثير من الدهشة الشوبنهاورية: الماء يخرج من الصنبور، عجيب!
الآن، بعد أن رأى الناخبون الفاعلين السياسيين، انقلبوا على الدستور الذي صوتوا عليه في 2011، ولم يسمع أحد لصوتهم ورأيهم.
الآن، أقول: خنتم ما وعدتمونا به، وإن علاقتكم بنا أصبحت منفصلة، لأنكم خلقت قواعد جديدة، ذات ماضي قديم، تضبط توافقاتكم السياسية، فالعبوا فيما بينكم، وسنمارس السياسة والمشاركة فيها بقواعدنا، أنتم من انقلبتم على الدستور، ويحق لنا أيضا أن نقلدكم، ونختار اسلوبا آخر في الدفاع عن وطننا ودولتنا. إن مشاركتنا في هذه الانتخابات هي ترسيم لشرعية الانقلاب على إرادة المواطنين.
كل الذين سيذهبون للمشاركة في الانتخابات المقبلة، إما لهم ذاكرة السمكة، أو يحلمون بالسراب.
منحنا شعب 20 فبراير فرصة تاريخية، لوضع قواعد قوية لتنظيم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، والانطلاق إلى المستقبل، لكن الحاكمين تصارعوا في ما بينهم، وتحللوا من الوثيقة الدستورية، و لا يتذكرون المواطن إلا عند الانتخابات، ليشهد شهادة الزور.
أدعو هذا الجيل، الذي عاش تجربة 20 فبراير وما قبلها وما بعدها أن يقاطع الانتخابات المقبلة كموقف احتجاجي صارخ، عنوانه الكبير: لقد خدعتمونا ولا ثقة في خطابكم.
فهل تنتظرون بنكيرانا آخر، يقول لكم في الانتخابات المقبلة: صوتو علينا وخليونا منا ليهم؟

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى