صدور موسوعة رواد الإصلاح في المغرب خلال القرن العشرين
من جملة المشاريع العلمية الكبيرة التي أشرف عليها مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية على امتداد سنتين من العمل، صدرت”موسوعة رواد الإصلاح في المغرب خلال القرن العشرين” عن دار نشر المعرفة تحت إشراف وتنسيق الدكتور سمير زردة.وقد جمعت هذه الموسوعة التي تقع في حوالي 653 ص بين دفتيها أكثر من ستين ورقة علمية لباحثين وأكاديميين من داخل المغرب وخارجه، سعت كلها إلى التعريف بالمشاريع الإصلاحية لعدد من الرواد المغاربة من شتى المشارب والمرجعيات الفكرية والسياسية(يمينية ويسارية، سلفية وصوفية، مسلمة ويهودية، إلخ).
رام هذا العمل المحكوم ابتداء بهاجس الوفاء والاعترافبما قدمه رجالات هذا الوطن، وهاجس التأريخ لهؤلاء الرواد ومشاربهم الإصلاحية حفاظا على الذاكرة الجماعية لهذه الأمة، رام في فلسفته الوقوف على أبرز التجارب الإصلاحية من جميع المدارس الإصلاحية التي شهدها المغرب خلال القرن العشرين محققا بذلك انجازا غير مسبوق في هذا الباب تمثل في:
– جمع تجارب راود المغرب من زعماء الفكر والفلسفة والسياسة والمقاومة والدعوة والتربية، في عمل جامع يتيح للقارئ التعرف على خارطة المدارس الإصلاحية والإفادة منها.
– تعدد التجارب وحضور جميع الحساسيات الفكرية والسياسية في هذا العمل أضفى عليه طابع التنوع الذي يعكس واقع فسيفساء المشهد الإصلاحي في المغرب، ذلك أن الغاية كانت هي التعريف بكل من هجس بسؤال الإصلاح بغض النظر عن اتجاهه أو مدرسته.
الخلاصات الجامعة التي انتهى إليها هذا العمل، من خلال جمع إجابات الإصلاح التي عرضتها المداخل التعريفيةتبقى أهم حافز للقارئ من أجل الاطلاع والتعرف على تفاصيل هذه الموسوعة. وقد لخصها مقدم هذا العمل قائلا:
“ويمكن تلخيص الإجابات التي قدمت عن سؤال الإصلاح من خلال تصنيفها زمنيا في مرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة الاستعمار، وقد ظلت إجابات الإصلاح في هذه المرحلة مرهونة بإجماع رئيسي شكل قاعدة ثابتة عند كل المكونات، فالجميع كان متفقا، من حيث المبدأ،على أن أولى الأولويات هو استقلال البلاد من قبضة المستعمر بكل الوسائل، مع اختلاف في الوسائل؛ إذ ظهرت ملامح تباين وتغاير في وجهات النظر بين أقطاب ورموز الحركة الوطنية، جسدها تياران رئيسيان: “التيار السلفي” و”التيار التحديثي” بكل تلاوينه، وهو الخلاف الذي سيتعمق ويترسخ أكثر بعد خروج الاستعمار.
المرحلة الثانية: مرحلة ما بعد خروج المستعمر، وتميزت باختلاف وتفاوت إجابات الإصلاح بين الرواد، نظرا لتباين التصورات والأنساق الفكرية التي ينهلون منها، فبعدما كانت المرجعية الإسلامية هي المرجعية العليا للإصلاح؛ إذ قامت معظم التجارب الإصلاحية في تاريخ المغرب على أساس الشرعية الدينية، بدأ هذا التوجه يضطرب بعد انفتاح وتأثر بعض النخب بالتجارب التحررية وبالمدارس الفكرية المهيمنة شرقا وغربا، انفتاح أفضى إلى استلهام إجابات إصلاحية خارجة عن النسق “التقليدي” شكلا ومضمونا”.
لم تقف المداخل الإصلاحية لدى رواد الإصلاح في مغرب القرن العشرين فيما ذكرناه، بل اختار البعض أن يواجه الواقع بالبحث عن صياغات نظرية في ميادين التربية والتعليم، أو مجال المرأة، أو إعادة تشكيل العقل وفق رؤى محددة، أو العودة لاستلهام دروس التاريخ، وما إلى ذلك من مداخل كان لها عظيم الأثر على مستقبل الأجيال وما يزال”.
هذه كانت الفلسفة التي أطرت هذا العمل، وأبرز الخلاصات التي انتهى إليها. جعلت من هذا الإصدار الذي أشرف عليه مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية يحظى بترحيب واسع في الأوساط الأكاديمية والعلمية.