د. صالح الطائي.. قراءة عراقية في عقبات وأشواك المغربية
هي ليست قراءة تقليدية لمنجز أدبي، وإنما محطات استنتاجية مع عبد النبي الشراط في كتابه ” عقبات وأشواك”، وهو كتاب سيرة شخصية بطعم رواية، ولذا لم أشر إلى أرقام الصفحات التي اقتبست منها.
حينما أهدى الأستاذ عبد النبي الشراط كتابه الموسوم عبقات واشواك إليَّ كانت بي رغبة جامحة أن أقرأه بعمق لأتعرف أكثر على طبيعة هذا الصديق؛ الذي ربط بيني وبينه مجرد عمل فكري، لكنه ليس مثل باقي الأعمال، فهو عمل مشاكس، كان جزءً من مجموعة كتب نويت ان أصدرها تباعا تشترك بجزء من العنوان هي جملة (أثر النص المقدس في …) ثم يأتي بعدها اسم الموضوع، وكان الكتاب الأول منها تحت عنوان (أثر النص المقدس في صنع عقيدة التكفير) عانيت كثيرا في طباعته فقد رفضته عدة دور نشر، ودخل في بعض البلدان التي نويت طباعته فيها إلى (دائرة الرقابة على المطبوعات) ولم يخرج منها لحد الآن، وقد أوحت لي هذه السلوكية بأن هذه الكتب لن ترى النور، ولكن شاء القدر ان يصدر الكتاب الأول عن إحدى دور النشر في بيروت دون معارضة بعد ان تحملت خسارة مبلغ كبير جراء طبع كمية كبيرة منه ترضي دار النشر، ولم أعد خوض التجربة مع الكتابين الثاني والثالث لأني كنت موقنا من النتائج السالبة مقدما؛ إلى أن حصلت عن طريق المصادفة على كتاب بعنوان (صحيح البخاري نهاية أسطورة) صادر عن دار الوطن في المملكة المغربية، وهي دار لم أكن قد سمعت بها من قبل، لكني حينما بدأت بقراءة هذا الكتاب المشاكس انتابني شعور بالنشوة والفرح لأني أيقنت حل مشكلة كتبي المشاكسة، وهو ما حدث فعلا حيث قبلت الدار تحمل مسؤولية طباعة الكتابين وتوزيعهما.
حاولت لاحقا وعلى مرحلتين التعرف على مسؤول هذه الدار أو صاحبها لأتحدث معه عن مشاكسة الحياة وحياة المشاكسة التي نعيشها، وتواصلنا فعلا، وتحدثنا قليلا فوجدته نموذجا للإنسان العربي المثقف المكافح الثوري صاحب العقيدة ورجل المسؤولية، ولكني لم أتمكن من معرفة أبعاد هذه الشخصية التي أرتني وجهيها الأبيضين، وانفتحت أمامي على مصراعي حقيقتها فكشفتْ أمامي الكثير من أوراقها التي وجدتُ بيني وبينها الكثير من المشتركات، وكانت هذه المرحلة الأولى.
وكانت المرحلة الثانية حينما أطلقتُ مشروع (قصيدة وطن) وهي محاولة لجمع الشعراء العرب من كل الأقطار العربية في عمل أدبي واحد؛ عبارة عن قصيدة تتغنى بالعراق وشعبه وثورة شبابه وعروبته، وبعد أن بدأتُ أعلن عن المشاركات التي تصلني، أعلن الأستاذ الشراط موقفه بالرغم من كونه ليس شاعرا حيث كتب رأيا في مشروع القصيدة مثل الكثير من المثقفين العرب الذين أشادوا بالمشروع وفكرته وتفرده؛ وقد جمعت تلك الآراء وستصدر ضمن كتاب القصيدة، وبدا يتصل بأصدقائه الشعراء طالما منهم الإسهام في نصرة العراق وأهله. أنا لم أستغرب موقفه هذا مطلقا بقدر كونه كان مؤشرا حقيقيا دلني على صحة ما يدعيه الرجل وما يؤمن به، لأن دعم أي عمل أو مشروع عربي مشترك مهما كان بسيطا في زمن فرقة العرب وتباعدهم وتفشي الكره بينهم يعتبر مغامرة غير محسوبة النتائج وغير أكيدة، لا يجرؤ على خوض غمارها إلا الرجال الكبار، وكان الشراط كبيرا فكان واحدا منهم.
وحينما تجمعت لدي مجموعة كبيرة من مشاركات الشعراء العراقيين والعرب أعلنت عن نيتي جمعها في كتاب وإصداره على نفقتي الخاصة، واعلنت أني سأتحمل المسؤولية القانونية والاجتماعية عن إصدار الكتاب، فإذا بالشراط ينبري من بين الجموع ليعلن أن دار الوطن للطباعة والنشر سوف تتبنى وعلى مسؤوليتها ونفقتها طباعة ونشر الكتاب، وكانت هذه خطوة ثانية في ترصين علاقة صداقتي بهذا الطود الشامخ ليس لأنه أعفاني من ثمن طباعة الكتاب على نفقتي فذلك امر بسيط مقدور عليه يكاد لا يذكر، وإنما من حيث تحمله المسؤولية في زمن تخلى الكثير من العرب عن مسؤوليات أكبر وأخطر حفاظا على أنفسهم.!
ولأني أؤمن بمقولة: “الرجال مخابر لا مناظر” وجدتني وبدون عناء يذكر وقد تعرفت على جزء كبير من حيز شخصية هذا الإنسان العروبي الثائر، وهو أمر حفزني لأعرف أكثر وأكثر عن سيرة حياته ونضاله، وهنا كان الفضل للكتاب الذي أهداه لي، والذي تابعت تصفحه بتأن كبير وشغف أكبر ودقة متناهية فوجدته ليس “رواية” ولا “سيرة وجدانية” لشخص مثلما ورد في صفحة عنوانه، بل هو تأصيل مهم تنكشف من خلاله بواطن مرحلة تاريخية من أخطر مراحل وجود أمتنا العربية وتأثيرات الفكر الوافد والمتنقل عليها.