المغرب والتطبيع الإماراتي.. غضب شعبي يكسر الصمت الرسمي (تحليل)
يبدو أن الصمت الرسمي المغربي إزاء تطبيع الإمارات مع إسرائيل، لم ولن يستطع الصمود إزاء موجات من الضغط الشعبي الرافض للخطوة، بحسب مراقبين.
تلك الموجات المتلاحقة كسرت حاجز الصمت الرسمي، فخرجت تصريحات لرئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، أعلن فيها رفض بلاده لكل “عمليات التطبيع مع الكيان الصهيوني”.
تصريحات العثماني، جاءت خلال مشاركته في نشاط لحزب “العدالة والتنمية” (قائد الائتلاف الحكومي)، وقال فيها أيضا إن “الاعتداء على حقوق الشعب الفلسطيني هي خطوط حمراء بالنسبة للمغرب”.
وتابع: “موقف المغرب باستمرار ملكا وحكومة وشعبا هو الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى”.
وشدد على أن “كل التنازلات التي تتم في هذا المجال هي مرفوضة من طرف المغرب”.
التصريح لم يشف غليل الجمعيات والهيآت غير الحكومية، التي لم تكتف بزيارة العثماني بعقر داره لتهنئه على التصريح، بل أصدرت عريضة حملت مئات التوقيعات ترفض الزيارة المرتقبة لجاريد كوشنر، مستشار وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للمغرب.
ورغم قوة التصريحات إلا أن البعض لا يعتبرها موقف رسمي، لا سيما أن العثماني نفسه قال إنها تعبر عن رؤيته الشخصية، لكن ذهب آخرون في الوقت نفسه إلى أن الرجل هو رئيس الحكومة المغربية وأن “السهم قد خرج من القوس”.
وفي 13 أغسطس/آب الماضي، توصلت الإمارات وإسرائيل، إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما، قوبل بتنديد فلسطيني واسع، حيث اعتبرته الفصائل والقيادة الفلسطينية، “خيانة” من أبوظبي وطعنة في ظهر الشعب الفلسطيني.
ومع صمت الخارجية المغربية إزاء الخطوة الإماراتية، تتعالى الأصوات الرافضة للتطبيع وسط النشطاء.
فيما تتسلل أصوات معدودة هنا وهناك تشيد بالخطوة الإماراتية، مثل مقال مولاي أحمد الشرعي، مالك أحد أكبر المجموعات الإعلامية في المغرب، والذي نشره بجريدة إسرائيلية.
خالد الشيات، الخبير المغربي وأستاذ العلاقات الدولية، علل عدم صدور موقف رسمي من بلاده إزاء التطبيع الإماراتي، بأن الأمر لا يدخل في اختصاصات وصلاحية بلاده ، لكونه يهم دولة أخرى.
وفي حديثه للأناضول، استبعد الشيات، أن تقوم بلاده بالتطبيع مع إسرائيل، لأن الأمر لا يخدم مصالحه، أو مصالح الفلسطنيين، الذين أدانوا خطوة الإمارات.
وأوضح أن موقف المغرب “مرتبط بمسار السلام، الغائب في هذه الفترة”، مضيفا أن بلاده “لا يمكن أن تعطي لإسرائيل شيكا على بياض”.
وأبرز أن الانتخابات الأمريكية على الأبواب، ولا يمكن لبلاده أن تضع بيضها في سلة إدارة دونالد ترامب، حيث ممكن أن تنخرط بلاده في مشاورات مع الطرف الأمريكي حول القضية الفلسطينية ولكن لا يمكن أن تقوم بخطوة التطبيع”.
وبعد موقف العثماني، نشر أحمد الشرعي، مدير مجموعة إعلامية بالمغرب تضم صحف وراديو (مقربة من السلطات) مقالا بجريدة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، وموقعها الالكتروني، انتقد فيه تصريحات رئيس الوزراء.
ووصف الشرعي، الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، بـ”النصر الاستراتيجي”.
وقال الشرعي: “بعيدا عن المنطقة، انتقد رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني، اتفاق السلام، وما حدث بعد ذلك مهم، فبعد أيام تراجع عن ملاحظاته، قائلاً إنه كان (العثماني) يتحدث بصفته الشخصية، وليس كمسؤول حكومي”.
وبحسب الشرعي، فإن “العثماني لا يتحدث باسم المغرب في السياسة الخارجية. وبموجب الدستور المغربي، فإن السياسة الخارجية والدبلوماسية والأمن الوطني هي صلاحيات حصرية للملك”.
وأضاف قائلا: “سنوات كوشنر الثلاث من الدبلوماسية وراء الكواليس تؤتي ثمارها الآن، يأمل العديد من العرب، بمن فيهم أنا، أن يأتي اليوم الذي يمكن للعرب والإسرائيليين أن يزدهروا فيه بسلام من خلال التسامح والتجارة والسياحة والتبادل الثقافي”.
وفي رده على مقال الشرعي، قال خالد البكاري، الناشط الحقوقي، إن الرجل “صاحب مجموعة الأحداث المغربية (جريدة يومية) وميد راديو (إذاعة خاصة) ومنابر أخرى، ينشر مقالا في الجيروزاليم بوست الإسرائيلية، مقال يتقمص فيه دور المتحدث باسم العلاقات المغربية الإسرائيلية”.
وأضاف البكاري في صفحته الرسمية بفيسبوك: “يقول (الشرعي) إن العثماني لا حق له في الحديث عن السياسة الخارجية للمغرب، باعتبارها كما الأمن اختصاص حصري للملك، حسب الدستور، وهذا افتراء على الدستور”.
وأضاف: “نعم هي اختصاصات حصرية بموجب الأمر الواقع وليس بموجب الدستور.. وحين ينزع هذا الحق عن العثماني يبيح لنفسه التكلم باسم الملك، ويقول إن سياسته تقوم على تجسير العلاقات بين العرب وإسرائيل، وهو أمر لم يسبق للملك أن صرح به رسميا”.
واعتبر البكاري أن “مقال الشرعي يشيد بجهود كوشنر، قبل زيارته للمغرب، وهو الشخص (كوشنر) الذي يستحي أي مراقب محايد أن يصفه بصانع للسلام”.
** رفض زيارة كوشنر
ومؤخرا، صدرت عريضة شعبية ضد زيارة كوشنر المحتملة للمغرب، وقع عليها أكثر من 300 جهة وشخصية مغربية بعد ساعات قليلة من إطلاقها الأربعاء، ولا تزال مفتوحة للتوقيع.
وقبل إصدار العريضة، زارت هيئتان حقوقيتان غير حكوميتين (مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، والجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني الحكومة المغربية)، العثماني، لتشيد بموقفه الرافض للتطبيع.
بدوره، أعلن حزب التقدم والاشتراكية (يساري معارض)، في بيان، رفضه كل خطوة أخرى تندرج ضمن خانة التطبيع مع دولة إسرائيل دون أن يوازيَ ذلك أي تقدم على درب نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه.
** كلمة العلماء
من جانبه، انتقد أحمد الريسوني، العالم المقاصدي المغربي، ما أسماهم “شيوخ بن زايد “، الذين أيدوا التطبيع الإماراتي.
وقال الريسوني، رئيس اتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في مقال منشور على موقعه الإلكتروني، إنه “لم يكن مفاجئا أن ينضم صنف الشيوخ إلى جوقة المداحين والمؤيدين؛ فهم إنما تم استيرادها وتجنيسهم وترئيسهم لهذا الغرض”.
وبحسب الريسوني ، فإن “المفاجئ الذي لا ينبغي السكوت عنه عند هؤلاء الشيوخ، هو ترديدهم وترويجهم لعبارات وصياغات تبريرية للفعل الشنيع، ومحاولةُ الإيهام بأنها من الشرع ومن مسلماته”.
ولفت إلى أن “المثير للاستغراب والتعجب، هو أن أيا من هؤلاء الشيوخ لم يجرؤ على ذكر أي تقييد أو محاولة ترشيد لهذا التفويض المطلق الذي منحوه لولي أمرهم، فلم يقل أحد منهم مثلا: في حدود الشرع، أو في حدود الثوابت والقطعيات، أو بمشورة أهل العلم والرأي، أو وفق المبادئ والقواعد الشرعية المعتمدة”.
وتابع: “إذا كانت الإمارات تريد السلام والوئام فلتوقف الحرب في اليمن وليبيا وصراع ضد قطر واستئصال ضد حركات المقاومة الفلسطينية وعداء تركيا”.
** كتاب ومثقفون ضد التطبيع
وأدان كتاب ومثقفون من المغرب خطوة الإمارات التطبيعية، معلنين عن رفضهم للخطوة.
وقال بيان صادر عن كتاب ومثقفون، إن هذه الخطوة تمثل خطرا على القضيَّة الفلسطينيَّة، وعلى مصير الأُمَّة العربيَّة.
وقال البيان إن “هذا الإعلان من قبل دولة الإمارات، يأتي في سياق دور تخريبيٍّ طالما لعبته في المشهد السياسي العربي، لم يخدم ولا يخدم سوى المصالح الصُّهيونيّة في المنطقة، عبر العمل على تحطيم وإضعاف عواصم عربيَّة ذات إرث ثقافيّ عريق”.
وكالة الاناضول