قتلة خاشقجي يحاكمون غيابيا بإسطنبول الجمعة
يبدأ القضاء التركي، صباح الجمعة، محاكمة مسؤولين سعوديين بتهمة قتل مواطنهم الصحفي جمال خاشقجي، في قنصلية المملكة بإسطنبول، أكتوبر/ تشرين الأول 2018.
وستكون المحاكمة للمتهمين غيابيا أمام محكمة العقوبات المشددة الـ11 في إسطنبول، وتأتي بعد نحو شهر من موافقة القضاء التركي على لائحة اتهام بحق 20 متهما سعوديا في القضية.
** إحياء أمل تحقيق العدالة لخاشقجي
وستكون المحاكمة أول مسار فعلي لإحقاق العدالة بحق قتلة “خاشقجي”.
فبعد نحو عامين من جريمة قتل الصحفي السعودي البشعة، أصدرت الرياض أحكاما بالإعدام في حق 5 مدانين، والسجن 24 عاما لثلاثة مدانين آخرين، فيما تم إطلاق سراح الأسماء المقربة من ولي العهد محمد ابن سلمان.
وفي مايو/ أيار الماضي، أعلن أبناء خاشقجي “عفوا” عن قتلة أبيهم؛ ما يمهد لإلغاء الأحكام الصادرة بحق المدانين بقتله؛ في خطوة انتقدتها مؤسسات حقوقية دولية، وعدّتها محاولة للإفلات من قبضة العدالة وأنها جاءت تحت ضغط السلطات السعودية.
والأربعاء، أعربت خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي، عبر حسابها على “تويتر”، عن أملها بأن تتحق العدالة في القضية عبر المحاكمة، التي يبدأ القضاء التركي نظرها الجمعة، مؤكدة تواجدها بمقر المحاكمة.
كما من المقرر أن تحضر أغنيس كالامارد، مقررة الأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، التي كانت مسؤولية عن تحقيق لمفوضية حقوق الإنسان الأممية حول مقتل خاشقجي، خلص إلى إدانة بن سلمان شخصيا.
وقالت كالامارد، الأربعاء، في تغريدة عبر تويتر: “أنا في إسطنبول لدعم خديجة جنكيز وآخرين الذين سيعاودون معايشة أحداث صادمة مع بدء المحاكمة الغيابية لقتلة خاشقجي”.
** محطات هامة
وقبل الوصول إلى تلك المحاكمة الفاصلة، مرت القضية بعدة محطات هامة.
ففي 5 ديسمبر/ كانون أول 2018، أصدر القضاء التركي أيضا مذكرة توقيف بحق المسؤولين السعوديين المقربين من ابن سلمان وهما “أحمد بن محمد العسيري” و”سعود القحطاني”؛ للاشتباه بضلوعهما في الجريمة، وطالب السعودية بتسليم باقي المتهمين.
وفي 14 مارس/آذار 2019، أعلنت وزارة العدل التركية أن المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) أصدرت عدة “نشرات حمراء” لاعتقال وتسليم 20 شخصا مطلوبين إلى تركيا للاشتباه بهم في قضية قتل خاشقجي، في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، و21 ديسمبر/ كانون أول 2018، و1 مارس/آذار 2019.
وفي سبتمبر/أيلول 2019، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في مقالة نشرتها صحيفة “واشنطن بوست”، أن السعي لعدم بقاء الجناة بدون عقاب “دين علينا لعائلة خاشقجي”.
ومضى قائلا: “نؤمن بأن العدالة لن تتحقق إلا على يد القضاء التركي والدولي”.
وفي 25 مارس 2020، طالبت النيابة العامة في إسطنبول بإنزال عقوبة السجن المؤبد المشدد بحق 20 شخصا بتهمة ضلوعهم بجريمة مقتل خاشقجي، في لائحة اتهام مكونة من 117 صفحة، أرسلتها النيابة العامة إلى محكمة العقوبات المشددة الـ11 في إسطنبول.
وتضمنت اللائحة، المطالبة بالحكم بالسجن المؤبد بحق “العسيري” و”سعود القحطاني”؛ بتهمة “التحریض على القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي”، والسجن المؤبد بحق الـ18 الآخرين بتهمة “القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي”.
وأشارت اللائحة إلى أن العسيري والقحطاني خططا لعملية القتل وأمرا فريق الجريمة بتنفيذ المهمة.
وأضافت النيابة أنه تم خلال التحقيقات مراجعة المكالمات الهاتفية للضالعين في قتل خاشقجي وكافة تحركاتهم داخل الأراضي التركية بعد وصولهم إليها في عملية معقدة.
وأكدت أنها أعدت لائحة الاتهام، بعد الاستماع لكافة الأطراف، والاطلاع على المكالمات الهاتفية وكاميرات المراقبة، وسير التحقيقات في المحاكم السعودية وجمع كافة الأدلة حول الجريمة.
وفي 11 أبريل/نيسان الماضي، وافقت محكمة العقوبات المشددة الـ11 في إسطنبول، على لائحة الاتهام التي أعدتها النيابة بحق 20 شخصاً على خلفية جريمة قتل خاشقجي.
** محاكمة سعودية خلف الأبواب المغلقة
في السعودية، كان المسار مختلفا؛ حيث بدت محاكمة قتلة خاشقجي متأخرة و”صورية” رغم تصريحات للسلطات هناك بأن قضاء المملكة “مستقل وملتزم بمحاسبة” المتورطين في الجريمة.
ففي 3 يناير/كانون الثاني 2019، وبعد 90 يوما على وقوع الجريمة، عقدت المحكمة الجزائية بالرياض، أولى جلسات محاكمة قتلة خاشقجي الـ11 (لم تسمّهم)، وطالبت النيابة بإعدام 5 منهم باتهامات شملت “عراك وشجار وحقن خاشقجي بإبرة مخدر بجرعة كبيرة أدت لوفاته”.
وكان الغموض سيد الموقف بشأن سير جلسات محاكمة السعودية لقاتليه وسط انتقادات لـ”عدم شفافيتها”؛ لكونها “تجرى خلف أبواب مغلقة”، وفق مراقبين ومنظمات حقوقية دولية.
وهذا ما دعا المقررة الأممية كالامارد، في بيان يوم 28 مارس/آذار 2019 للمطالبة بمحاكمة علنية لقتلة خاشقجي، معتبرة المحاكمة الجارةي في السعودية، آنذاك، “لا تنسجم مع المعايير الدولية”، و”غير شفافة”.
وفي 21 يونيو/حزيران 2019 وثق تقرير أممي أعدته كالامار، أيضا إفلات متهمين رئيسين من المحاكمة والتوقيف.
كما أكدت الأمم المتحدة وواشنطن وجود تقصير في المحاكمة السعودية لقتلة خاشقجي.
ففي 4 يناير/كانون الثاني 2019، قال مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في بيان، إنه لا يستطيع تقييم نزاهة محاكمة خاشقجي، مطالبا بإجراء تحقيق مستقل “بمشاركة دولية”، وهو أمر طالبت به تركيا مرارا.
وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019، قال مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، خلال جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، إنه تم إبلاغ السعوديين بأن هناك تقصيرا في العملية القضائية لمحاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي.
ورغم الانتقادات المتتالية للغموض في مسار المحاكمة، لم تعلّق المملكة عليها.
قبل أن تفأجئ السعودية الرأي العام العالمي وسط هذا الغموض، في ديسمبر 2019، بإصدارها أحكاما أولية بالإعدام في حق 5 متهمين، وأحكاما بالسجن 24 عاما لثلاثة متهمين آخرين (لم تسمهم أيضا)، وتبرئة القحطاني وعسيري المقربين من ولي العهد، وسط انتقادات واسعة.
ولم يلق عفو صلاح نجل خاشقجي في مايو/أيار عن قاتلي أبيه، إلا رفضا واسعا وحديثا بمنصات التواصل عن ضغوط على أسرته المتواجدة بالسعودية ومزيد من الشكوك حول مسار القضية ونتائجها، رغم نفي الأسرة ذلك.
** رفض تركي وإصرار على إقرار العدالة
عقب الأحكام السعودية في القضية، قال وزير العدل التركي، عبد الحميد غل: “يبدو أن هناك محاولات لإنقاذ أشخاص ما في السعودية.. السلطات لم تجر المحاكمة بشفافية كاملة، ولا يمكن قبولها تمامًا”.
وأكد أن تركيا اقترحت منذ البداية إجراء تحقيق دولي شفاف.
ولفت إلى أن السلطات القضائية التركية تواصل إجراءات محاكمتها في قضية خاشقجي؛ لأن الجريمة وقعت بأراضي تركيا.
فيما قالت الخارجية التركية، آنذاك، إن أحكام القضاء السعودي”بعيدة عن تلبية تطلعات أنقرة والمجتمع الدولي”، وتعبر عن “قصور أساسي في تجلّي العدالة ومبدأ المساءلة”.
وفي 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، قتل خاشقجي، الصحفي السعودي المعروف والكاتب بصحيفة “واشنطن بوست”، داخل قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول.
وعقب 18 يوما على الإنكار، قدمت خلالها الرياض تفسيرات متضاربة للحادث، أعلنت مقتل خاشقجي إثر “شجار مع سعوديين”، وتوقيف 18 مواطنا في إطار التحقيقات، دون الكشف عن مكان الجثة وهو ما يزال مستمرا حتى اليوم.
وتتمسك الرياض منذ وقوع الجريمة حتى إعلان الأحكام التي نالت انتقادات واسعة، برفض تدويل القضية مثلما تتمسك بعدم إعلان أسماء المتهمين بقتله أو مقار احتجازهم، أو مقر انعقاد محاكمتهم أو ملابسات وظروف جلساتهم، كحالها في التمسك بعدم معرفة مكان الجثة، والتأكيد على استقلال ونزاهة قضائها، وسط انتقادات دولية لمسار القضية.
وكالة الاناضول