قصة دولتين.. كيف تحولت إيطاليا وإسبانيا لبؤرة “كورونا”؟ (تقرير)
روما/ أليسا مكمورتري وجيادا زامبانو/ الأناضول
– إيطاليا وإسبانيا تعتبران الأكثر تضررا في العالم من جائحة فيروس كورونا
– الإفراط في الثقة سمة اشتركت فيها حكومتا إسبانيا وإيطاليا خلال الأسابيع الحرجة التي سبقت تفشي الفيروس
– فشل السلطات الإيطالية في الاستجابة لتفشي الفيروس يرجع إلى عدم تصورها لحجم الجائحة
– الإعلانات الأولية لحالة الطوارئ في إيطاليا قوبلت بالتشكيك من قبل الجمهور والعديد من الدوائر السياسية
– الحجر الصحي غير المنسق على شمال إيطاليا أدى إلى نزوح جماعي إلى الجنوب؛ ما قاد لانتشار الفيروس فيه
– إسبانيا وقعت فيما أصاب إيطاليا، من عدم تصور سرعة انتشار الفيروس في الأسابيع الأولى من وصوله للبلاد
– الحكومة الإسبانية شجعت الناس في جميع أنحاء البلاد على النزول إلى الشوارع للتظاهر في يوم المرأة العالمي.
– استمرار الفعاليات الكبيرة في إسبانيا بكامل زخمها بعد بدأ تفشي الفيروس كمباريات كرة القدم والتجمعات السياسية
– كما حدث في إيطاليا فر الآلاف من الذين يعيشون في مدريد إلى مساكنهم أو مدنهم الثانية لتجنب الحجر الصحي أو الحبس في المدينة
رغم بدء تراجع الضغط على المستشفيات بايطاليا وإسبانيا، إلا أنهما ما زالتا حتى الآن، الدولتين الأكثر تضررا في العالم من جائحة فيروس كورونا.
ويشكل البلدان معًا حوالي 40 بالمئة من إجمالي وفيات كورونا حول العالم، إذ أودى الفيروس بحياة 31 ألف شخص في كليهما في أقل من شهرين، بالإضافة لنحو 200 ألف حالة نشطة غالبيتها في حالة حرجة.
ولا شك في أن البلدين يشتركان في العديد من الخصائص، فكلاهما يتميزان بمواطنين اجتماعيين للغاية وطقس معتدل ومدن كثيفة السكان وتفاعلات اجتماعية حميمة جماهيريا وعدد كبير من كبار السن.
غير أن بداية انحسار الزيادة الهائلة للإصابات بالفيروس، تعني بوضوح أن الإجراءات الحكومية لو اتُّخذت في الوقت المناسب كان يمكنها إنقاذ الآلاف من الأرواح.
لكن لسوء الحظ كان الإفراط في الثقة سمة أخرى تشترك فيها حكومتا إسبانيا وإيطاليا خلال الأسابيع الحرجة التي سبقت تفشي الفيروس، فقد استهانتا بقدرة الفيروس على الانتشار السريع ودفعه بسرعة أنظمة الرعاية الصحية فيهما إلى حافة الانهيار.
واستغرق الأمر نحو 3 أسابيع منذ اكتشاف إيطاليا أول حالة إصابة بكورونا في 21 فبراير/ شباط الماضي كي تتمكن من إغلاق جميع المؤسسات غير الضرورية وحظرها للحركة العامة غير الملحة على مستوى البلاد.
إلا أن إيطاليا أخفقت في احتواء الفيروس على الرغم من إلمامها بالسياسات الناجحة لاحتوائه كالتي اتخذتها بالفعل دول مثل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وإن كان إخفاقها مبررًا ولو جزئيًا؛ نظرًا للطبيعة غير المعهودة للحدث.
** مرحلة الإنكار
وفقًا للعديد من المراقبين، كان من أول التعثرات في استجابة السلطات الإيطالية لتفشي الفيروس فشلها في التعرف على حجم الجائحة واتخاذ القرارات في الوقت الحقيقي لظهور الأزمة.
وفي أواخر فبراير الماضي، ظهر بعض السياسيين الإيطاليين، مثل زعيم الحزب الديمقراطي (يسار الوسط) نيكولا زينغاريتي – الذي أصيب لاحقًا بالفيروس – وهم يشربون الخمر في ميلانو؛ مما روج لفكرة أن المركز المالي بإيطاليا يجب أن يواصل العمل كالمعتاد.
كما أن الإعلانات الأولية لحالة الطوارئ قوبلت بالتشكيك من قبل الجمهور والعديد من الدوائر السياسية – على الرغم من أن العديد من العلماء كانوا يحذرون من احتمال وقوع كارثة لأسابيع”، وفقًا لما نشر بمجلة “هارفارد بيزنس ريفيو” في أواخر مارس/ آذار الماضي.
لكن إيطاليا فشلت في اعتماد نهج منسق للطوارئ، فقد تسبب قرار فرض الحجر الصحي على شمال إيطاليا يوم 8 مارس الماضي، في نزوح جماعي إلى الجنوب؛ أدى إلى انتشار الفيروس بشكل غير مقصود في مناطق أخرى.
كما أن الحكومة اشتبكت في أغلب الوقت مع حكام الأقاليم الذين كانوا يدعون إلى استجابة أسرع وأكثر شمولا.
**التجمعات الضخمة في إسبانيا:
ورغم متابعة إسبانيا ما يحدث في إيطاليا، إلا أنها فشلت أيضًا في التعرف على الانتشار المطرد للفيروس في الأسابيع الأولى الحرجة من وصوله للبلاد.
وتم تسجيل أول حالة في إسبانيا في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، فيما حدثت حالة الوفاة الأولى في 13 فبراير الماضي، إلا أنه لم يتم تشخيصها بتشريح الجثة حتى أوائل مارس الماضي.
وفي 8 مارس الماضي، في اليوم ذاته الذي تم فيه الإعلان عن فرض الحجر الصحي في معظم أنحاء شمال إيطاليا، كانت الحكومة الإسبانية تشجع الناس في جميع أنحاء البلاد على النزول إلى الشوارع للتظاهر في يوم المرأة العالمي.
وحينئذ، توفي 10 أشخاص بسبب كورونا في إسبانيا وتم تأكيد تسجيل 520 حالة.
وفي يوم الاحتجاجات الضخمة، عقد وزير الصحة الإسباني مؤتمرا صحفيا يطلب فيه من الناس البقاء في منازلهم إذا كانوا يشعرون بإصابتهم بالفيروس.
وفي مدريد، المنطقة الأكثر تضررا في البلاد، تجمع 120 ألف شخص في وسط المدينة لدعم المساواة بين الجنسين، كما تجمع حوالي 60 ألف شخص في عشرات المدن الأخرى في اليوم ذاته، فضلا عن استمرار الفعاليات الكبيرة الأخرى بكامل زخمها مثل مباريات كرة القدم والتجمعات السياسية.
ومن بين من كانوا في مسيرة اليوم العالمي للمرأة، ثبتت إصابة 3 وزراء من ائتلاف اليسار في البلاد والسيدة الأولى بالفيروس في وقت لاحق، فيما تأكدت إصابة وزيرة المساواة إيرين مونتيرو بعد 4 أيام فقط.
وعلى الرغم من أن عمدة مدينة “بيرغامو” الإيطالية وصف مباراة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم في فبراير الماضي بين فريقي أتالانتا الإيطالي وفالنسيا الإسباني بأنها “قنبلة بيولوجية”، إلا أن الحكومة الإسبانية لم توجه نقدا ذاتيا لقرارها بتشجيع الاحتجاجات الضخمة.
وأخيرا في مقابلة مع صحيفة “El Correo” المحلية، قال وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا، إنه “ليس لدى هذه الحكومة سبب للندم على أي شيء”.
** ثقة زائدة
في أواخر فبراير/ شباط، وأوائل مارس/ آذار الماضيين، لم يكن هناك صوت قوي في الحكومة يحذر من خطورة الجائحة.
وقال فرناندو سيمون، عالِم الأوبئة الذي قاد استجابة الحكومة الإسبانية لتفشي الفيروس، في أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي إن إسبانيا ربما “لن يكون لديها سوى حالات إصابة قليلة”.
وصرح أواخر فبراير الماضي، وقت اللحظات الحرجة لانتشار الفيروس في جميع أنحاء البلاد، في مؤتمر صحفي أن “الفيروس ليس في إسبانيا”.
ولذلك فشلت إسبانيا في تخزين المعدات الطبية والاختبارات ومعدات الوقاية حتى فات الأوان، إذ تفاقمت المشكلات بسبب تخفيض ميزانية نظام الرعاية الصحية في سنوات التقشف بعد الأزمة المالية عام 2008.
وحتى الآن، أصيب حوالي 20 ألفا من العاملين في مجال الرعاية الصحية بالفيروس في أنحاء إسبانيا.
وفي اليوم التالي لمظاهرات يوم المرأة قالت السلطات الإسبانية أنه لوحظ ارتفاع كبير في الإصابات، وفي 10 مارس الماضي حظرت جميع التجمعات التي تضم أكثر من 1000 شخص في المدن، بما في ذلك مدريد، وبعد 6 أيام فقط من يوم المرأة كانت البلاد تحت الإغلاق التام.
وكما حدث في إيطاليا، وفي الأسبوع الفاصل بين الوضع الطبيعي والإغلاق الكامل، فر الآلاف من الذين يعيشون في مدن مثل مدريد إلى مساكنهم أو مدنهم الثانية لتجنب الحجر الصحي أو الحبس في المدينة.
**قصة دولتين:
على عكس إسبانيا، انتهى الأمر باتباع سياسات مختلفة في الأقاليم بإيطاليا، كان لها تأثير واضح على انتشار الفيروس.
وكان المثال الأبرز على هذا، التناقض في سياسات إدارة الأزمة لإقليمي لومبارديا وفينيتو، وهما إقليمان متجاوران كانا أول منطقتين تفشى فيهما الفيروس.
فإقليم لومبارديا – أغنى إقليم في إيطاليا – لديه أكثر من 28 ألفا و300 حالة، بالإضافة إلى 9 آلاف و400 وفاة بين السكان البالغ عددهم 10 ملايين نسمة.
فيما كان الوضع في فينيتو أفضل بكثير، حيث بلغ عدد الإصابات الحالية حوالي 10 آلاف حالة، مع تسجيل 695 وفاة بين نحو 5 ملايين نسمة.
ويرجع اختلاف الوضع في فينيتو لاتباعه نهجا أكثر شمولًا من لومبارديا، مبني على اختبار واسع لكل الحالات التي ظهرت عليها أعراض الفيروس والتي لم يظهر عليها.
كما يرجع أيضا للتتبع النشط لحالات الإصابة المحتملة والتركيز القوي على التشخيص والرعاية المنزلية؛ مما قلل من العبء على المستشفيات.
ووفقًا للخبراء، كان من الممكن تطبيق ما يسمى بـ “نموذج فينيتو” في وقت مبكر لصياغة السياسات الإقليمية والمركزية، إلا أن التطبيق جاء فقط بعد أكثر من شهر على بداية تفشي الفيروس.
وعلى غرار لومبارديا، تأخرت إسبانيا في إجراء الاختبارات بحلول بداية حالة الطوارئ، ولم يكن لديها سوى الموارد الكافية لتشخيص الحالات الأكثر خطورة أو المصابين من العمال الأساسيين.
إلا أن السلطات الإسبانية الآن تهدف إلى الاقتداء بما فعله “فينيتو” وتضع استراتيجية لإجراء اختبارات للسكان على نطاق أوسع.
لكن لسوء الحظ ما زالت القصة مستمرة، فبينما فشلت إيطاليا في التعلم من الأمثلة الآسيوية وفشلت إسبانيا بدورها في الإحتذاء بإيطاليا، تستمر دول أخرى مثل الولايات المتحدة في إثبات مدى خطورة الإفراط في التفاؤل وقت تفشي الجائحة العالمية.
وكالة الاناضول