مجمتع

الاضطرابات النفسية للحجر الصحي وتوصيات الهيئات العلمية

يعرف “الحجر الصحي” على أنه فصل وتقييد لحركة الأشخاص اللذين يحتمل أن يكونوا معرضين لمرض معدي، للتأكد مما إذا كانوا مرضى، وبالتالي تقليل خطر إصابتهم من الآخرين او إصابتهم للآخرين.

يعتبر أمرا عاديا أن يحس المرء ببعض التوتر أو الخوف، وهذا لا يشكل عائقا في حد ذاته لأنه يدعو الإنسان لاتخاذ تدابير الوقاية، ليس لسلامته الشخصية فحسب، بل لسلامة أسرته والمحيطين به. لكن عندما تتجاوز مستويات الخوف حدودا عليا، يصبح عائقا للشخص في حياته اليومية وصحته النفسية.

والخوف حالة مؤلمة من اليقظة تتعلق بخشية أو رهبة من شيء ما، غير واضح مع انتظاره تؤلم صاحبها ….

والكربة تعني جزعا من غير موضوع مسبب للجزع، وهو خوف شديد من شيء غير محدد تجعل المريض في حالة من اليقظة المفرطة والمؤلمة، وتكون مصحوبة بأعراض عضوية ناتجة عن تنبيه النظام العصبي التلقائي ، و قد يتجلى ذلك عبر :

1- أعراض جسدية : خفقان القلب بسرعة أكبر- صعوبة في التنفس- تعرق.
2- أعراض شعورية : إحساس بالخطر- ترقب مؤلم لحدث ما- ضجر.
3- أعراض ذهنية : تدهور في الأداء الذهني- الإجهاد الذهني – اجترار الأفكار.
4- أعراض سلوكية : تدهور في الأداء المهني، انكماش على النفس، عدوانية غير مألوفة، سلوكيات التجنب.

لقد أفادت غالبية الدراسات، أن المعزولين في الحجر الصحي هم أكثر عرضة للإرهاق والقلق والتهيج والأرق وضعف التركيز وتدهور أداء العمل والتردد في العمل.

أما فيما يتعلق بتداعيات ما بعد الحجر الصحي، نلاحظ الانخراط في سلوكيات التجنب، مثل تقليل الاتصال المباشر مع الأشخاص الذين قاموا بالحجر الصحي وتجنب الأشخاص الذين كانوا يسعلون أو يعطسون ، وتجنب الأماكن المغلقة المزدحمة ، و تجنب جميع الأماكن العامة في الأسابيع التي تلي فترة الحجر الصحي.

بالإضافة إلى توصيات الهيئات العلمية المتخصصة في مجال الصحة النفسية نضيف ما يلي :

1- ضرورة قيام مسؤولي الصحة العامة بتقديم رسائل سريعة و واضحة يتم توصيلها بشكل فعال لجميع السكان لتعزيز الفهم الدقيق للوضع.

2- التقليل قدر الإمكان من الاطلاع على مواقع الأخبار التي تبث بشكل مستمر تطور حالة الوباء في العالم و تأثيراته في مختلف المجالات.

3- و كحد أقصى، ننصح أن نستطلع أخبار الوباء مرة في اليوم حتى نكون على اطلاع على المستجدات الرقمية، و الصحية، و الإجراءات الإدارية التي تهم حياتنا اليومية.

4- استثمار الوقت في الاطلاع على مجالات معرفية متنوعة ، أو استغلال الوقت لاستكمال مشاريع كتابة أو قراءة.

5- إعطاء مجال أكبر للاتصال بأفراد الأسرة و الأصدقاء و الاطلاع على أحوالهم، و إن أمكن نشر جو الاطمئنان بينهم، و إمدادهم بمعلومات إيجابية.

6- المساهمة في التعبير عن مشاعر الخوف و القلق و التعبير عن الانتظارات المتوقعة، و ذلك أولا بالتعرف على هذه المخاوف و فحصها و عرضها على ميزان المنطق و الحقيقة.

7- أخذ معلومات كافية عن أعراض القلق و التوتر، و كيف تترجم الى سلوكيات غير عادية.

8- التدرب على تمارين الاسترخاء و التنفس العميق، و يمكن مشاهدة ذلك في فيديوهات على اليوتوب.

9- محاولة الارتباط بصورة أقوى بقوة تشكل لك وتفسر لك معنى الحياة ومعنى الأحداث التي تقع في العالم وتكون تقوية الروابط مع الله عز وجل من أهم الوسائل لتحقيق ذلك.

10- بموازاة ذلك، ينصح باستغلال فترات الصلوات الخمس و أدائها باستحضار صلتك و علاقتك بالله عز وجل، و تخصيص فترات للجلوس للتفكر و التأمل.

11- لا تقلل من مؤهلاتك الفكرية وخصالك النفسية لتحمل هذا الضغط النفسي، وحدث نفسك بالتجارب الايجابية التي مررت منها والمصاعب التي تجاوزتها بنجاح، فهذه المراجعة تقوي عزيمتك وإرادتك لمواجهة المصاعب الحالية.

12- اعلم انه بقدر الصبر و الرضا الذي تبديه و يظهر على ملامحك و خطابك و تصرفاتك، بقدر ما يطمئن الناس من حولك، و يستمدون منك القدرة و النموذج الناجح للثبات و الصمود.

13- عدم إهمال فترات الراحة، و إعطاء وقت أكبر من المعتاد للأنشطة الترفيهية و التسلية المروحة عن النفس، و تكون كذلك بقصد إشراك الأطفال في تلك الأنشطة.

14- برمجة تمارين رياضية مستمرة خلال اليوم.

15- الاستمرار في قضاء حوائج الناس، خاصة الذين – لسبب ما- لا يستطيعون تلبية حاجياتهم خارج المنزل.

16- بالنسبة للأشخاص اللذين يعانون سابقا من أمراض نفسية، عليهم باستشارة طبيبهم المعالج من أجل دعم نفسي مباشر ومتواصل.

17- بالنسبة للأشخاص اللذين يعانون من مستويات عليا من الخوف، عليهم بالمبادرة لاستشارة طبيب واتخاذ تدابير علاجية مناسبة.

18- من الناحية الذهنية، يستحب تفعيل ما يصطلح عليه ب “إعادة التشكيل الذهني” بحيث تصحح تصوراتك و انتظاراتك حول احتمالية الخطر بالإصابة بالعدوى، او بتفاقم المرض أو بخطر الموت، لذا يكون من الضروري التأكيد على النظر الى نسبة التعافي من المرض أو نسبة اللذين لا تظهر عليهم أعراض البتة. إن تدقيق النظر في هذا الجانب الايجابي -من شأنه- أن يصحح نظرتنا للحدث و يحد بشكل كبير من الإحساس بالقلق و التوتر.

19- قبل هذا، و مع هذا و بعد هذا لا بد ان نذكر بأن غالبية المغاربة مسلمون، و مما تقتضي كلمة الاسلام، القبول بما يقضي الله عز وجل في الكون، و معرفة أن ما يقع، إنما لحكمة ربانية، و لا ندري، أن هذا الوباء سيكون بداية الحياة الصحيحة للبشرية.

بقلم البروفسور رموز اسماعيل
أستاذ التعليم العالي في الطب النفسي

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى