الخبير المصري ندا.. لابد من توفر الإرادة الحقيقية لدى النخب للخروج من المأزق الحضاري بدولنا العربية
في هذا الحوار الحصري يستضيف الموقع الالكتروني أنباء24 الدكتور عبد الرحمان أحمد ندا، لتسليط الضوء على عدد من القضايا المرتبطة بواقع التعليم في البلدان العربية وسبل التطوير .
حاورته الإعلامية الجزائرية خولة خمري
أهلا و مرحبا بك معنا دكتور عبد الرحمن.
_ بداية: كيف يقدم لنا الباحث المصري د. عبد الرحمن ندا نفسه؟ وخلاصة ما عاشه من تجارب للقراء والمتابعين؟.
- اسمي عبد الرحمن أحمد ندا، حاصل على دكتوراه أصول التربية جامعة المنصورة عام 2008م بتقدير ممتاز. أعمل حالياً خبير تدريس رياضيات بوزارة التعليم بمصر ، عملت أستاذًا مساعداًومستشار تدريب بعمادة السنة الأولى المشتركة بجامعة الملك سعود من عام 2009 حتى عام 2017م، شاركت في العديد من المؤتمرات التربوية والثقافية على المستوى المحلي والعربي، كذلك لي العديد من المؤلفات التربوية كأبحاث علمية أو كتب تم نشرها في مجلات ومؤتمرات أكاديمية بمصر والسعودية وألمانيا.
_ ما هي نظرتكم لمستوى التعليم العالي في الجامعات العربية وماهي الأسباب الحقيقية وراء تراجع تصنيف الجامعات العربية على المستوى العالمي؟
- لا يخفى على كل ذي بصر تراجع مستوى التعليم العالي في مجتمعاتنا العربية مقارنة بالمجتمعات الغربية واستمرار ذلك التراجع مما أثر على دور التعليم العالي في إحداث التنمية المجتمعية الشاملة.
- بالنسبة لتصنيف الجامعات العربية على المستوى العالمي أود أن أبين أن المعايير التي يتم على أساسها ترتيب الجامعات تختلف من تصنيف إلى آخر، إلا أن هناك معايير أساسية تتفق عليها كل التصنيفات وهي: مدى توافر الإمكانات المادية، ومدى المشاركة في إنتاج المعرفة عن طريق النشر العلمي في الدوريات المعترف بها دوليًا. وعلى سبيل المثال : تصنيف TIMES لعام 2019 لأفضل 1000جامعة من 86 دولة كان نصيب الدول العربية 52 جامعة، منهم 7 جامعات من أفضل 500 جامعة.
- وأرى أن من أهم الأسباب التي أدت إلى حدوث هذا التراجع “تدني مخصصات التعليم والبحث العلمي، وربط التعيين والترقية بدرجة الولاء للنظم الحاكمة، استمرار نزيف هجرة العقول العربية للخارج، وسيطرة الأجواء الطاردة للكفاءات والقدرات، مع انخفاض دخول الأساتذة، وعدم تقدير صناع القرار والسياسيون للعلم والعلماء”.
_ النظام الأكاديمي العالمي أصبح يعتمد على ما يسمى بالتخصصات العابرة للثقافات هل يمكن الحديث عن شيء من هذا القبيل في الجامعات العربية والمصرية خاصة؟.
- التخصصات العابرة للثقافات وتسمى في بعض الأحيان بالدراسات الثقافية الشاملة أو المقارنة، والتي تهتم بفحص مجال السلوك البشري والثقافة البشرية.
- عند الحديث عن الاهتمام بتلك التخصصات في جامعاتنا العربية نلاحظ بروز مشكلة أن معظم الجامعات العربية- المصرية بصفة خاصة – لا تعتمد إحدى اللغات الأوروبية للتدريس بها، مما أثر على المستوى العلمي لطلاب الجامعة، ومناخ البحث العلمي في الجامعة، وكفاءة أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وبالتالي لا زال الاهتمام بالتخصصات العابرة للثقافات ضئيلاً للغاية في جامعاتنا العربية بصفة عامة والمصرية بصفة خاصة.
_ يواجه المعلم في ظل عصر الثورة الرقمية العديد من التحديات كالتربية المستدامة، وقيادة التغيير، وإدارة التكنولوجيا، وثورة المعلومات، والتحدي الثقافي الذي يهدد السلوكيات والقيم ما تعليقكم؟.
- فعلاً يواجه المعلم فى ظل عصر الثورة الرقمية العديد من التحديات، والتي فرضت نفسها على نظم التربية والتعليم في المجتمعات العربية، والتي أصبح من أهم آثارها ضرورة تغيير المعلم لأدواره المتوقعة منه في ظل تلك التحديات، ومن أهم تلك الأدوار على سبيل المثال لا الحصر:
- الاستفادة من فرص التعلم مدى الحياة، بما يمكنه ذلك من اكتساب الكفايات التي تؤهله لمواجهة المواقف الحياتية المختلفة والتعايش مع الآخرين.
- إتباع أسلوب التفكير العلمي المنظم بما يساعده على استشراف آفاق المستقبل ، وبالتالي إدخال تغييرات مخطط لها لضمان نجاح العملية التعليمية.
- إكتساب المعلمين لمهارات التعامل مع المستحدثات العلمية بما يؤكد اكتسابهم لمهارات حياتية جديدة تجعلهم يوظفون المعلومات، ويساعدون طلابهم على توظفيها والاستفادة منها
- العمل على توظيف تقنيات المعلومات بما يتيح له وقتاً أطول لتوجيه طلابه واكتشاف مواهبهم، والتعرف على نقاط ضعفهم.
- في ظل الصراع الثقافي والذي يهدد سلوكيات وقيم المجتمعات، أصبح المعلم مطالباً بتعميق شعور الطالب بمجتمعه من خلال دعم الهوية الثقافية للمجتمع العربي والإسلامي، وتعزيز الأفكار والقيم الإيجابية السائدة في المجتمع.
_ تشير التوجهات المستقبلية إلى أن التعليم الإلكتروني سوف يفرض نفسه على الأنظمة التعليمية بحيث ستصبح المدرسة هي مصدر التعلم و ليست مكانا له وهو ما بدأ يطبق في كثير من الدول الغربية ما تعليقكم على ذلك؟.
فعلاً سوف يختلف شكل التعليم المدرسي في ظل عصر الثورة الرقمية ، حيث ستتحول المدرسة بأكملها إلى بيئة حاضنة للتقنية فيما يسمى بالمدرسة المحوسبة، ويتطلب هذا االتحول:
- تحقيق الربط الشبكي بين أجزاء وفصول المدرسة ومرافقها المختلفة مما يتطلب تحويل المدرسة إلى بيئة تقنية تجيد التعامل مع تقنيات الحاسب الآلي.
- حوسبة المناهج والكتب الدراسية واعتماد التعليم على التعامل مع التقنية ومصادر التعليم الإلكتروني.
- تحفيز المعلمين على تطوير قدراتهم في مجال التعامل مع المعلومات، بما يعني تحول المعلمين من مجرد ناقلين للمعرفة إلى مستخدمين للتقنية وباحثين من تجين للمعرفة.
_ ماهي المهارات التعلمية التي تحث المعلم العربي على ضرورة امتلاكها فى ظل عصر الثورة الرقمية وما هي طرق تنميتها باعتبارك خبير بهذا المجال؟
- من أهم المهارات التي ينبغي أن يمتلكها المعلم في عصر الثورة الرقمية: القدرة على تنمية مهارات التفكير الناقد، تعليم الطلاب المهارات الحياتية سواء شخصية أو اجتماعية، تنمية المهارات العليا للتفكير، مهارة استخدام وإدارة تكنولوجيا التعليم، مهارة دعم الاقتصاد المعرفي.
- ويمكن تنمية تلك المهارات لدى المعلم من خلال: التنمية المهنية الإلكترونية للمعلمين، التدريب الإلكتروني للمعلم، تقليل العبء التدريسي للمعلم، التحفيز.
_ كيف يمكن إكساب المعلمين اتجاهات إيجابية نحو التدريب الإلكتروني، وهل يمكن القول أن تقديم الحوافز المادية فقط للمعلمين كافية لتحفيزهم على المشاركة في برامج التدريب الإلكتروني؟.
- يمكن إكساب المعلمين اتجاهات إيجابية نحو التدريب الإلكتروني، من خلال:
- التعرف على حاجات المعلمين المستهدفين للتدريب وتحديد نوعيات برامج التدريب المطلوبة من جانبهم.
- توعية المعلمين وإكسابهم اتجاهات إيجابية نحو استخدام الوسائل الحديثة في التدريب.
- تقديم الحوافز المادية والمعنوية الممكنة للمعلمين لتحفيزهم على المشاركة في برامج التدريب الإلكتروني.
_الدول العربية تعيش العديد من الأزمات سواء الاقتصادية أو السياسية فيما بينها ما قراءتكم للأسباب الحقيقية وراء هذا وهل يمكن القول أن الخلل الأول كامن بالنظام التربوي؟
- في رأيي أن السبب الرئيس لكل تلك الأزمات هو الاحتكام “نظرية المصالح” والتي جعلت كل دولة تنظر إلى مدى الفائدة العائدة عليها من علاقاتها مع دول الجوار أو دول المنطقة انطلاقاً إلى العالم الخارجي بعيداً عن قيود العروبة والدين واللغة إلى غير ذلك من الشعارات التي انهارت وتبدلت نتيجة لظاهرة “الفراغ الاستراتيجي”، حيث انهارت دول وتبدلت كيانات وصعدت حكومات .
- الأمر الذي أدى إلى انفراد كل دولة برأيها بناء على قياسها لمصالحها بعيداً عن شقيقاتها مما أدى إلى عدم وجود “إستراتيجية عربية موحدة” وواضحة للتعامل مع التهديدات، تشترك فيها الدول العربية جميعاً، تتسم بالشفافية والمكاشفة بين الدول العربية لوضع أجندة مُتفق عليها لأولويات الأمن القومي العربي.
- دعونا نؤكد أن هناك خللاً في نظمنا التربوية والتي رسخت بداخلنا إشكاليات كثيرة خاصة بالهُوية والأنا والتعامل مع الآخر، وجعلتنا نؤمن في تعاملنا مع الأزماتأن غاية الممكن هو إدارة الأزمات وليس حلها، وأن المطلوب هو التكيف معها بدلاً من اقتلاع جذورها ومُواجهة أسبابها.
_ما السبل والوسائل الكفيلة التي تراها مناسبة لحل هذه الأزمات التي يتخبط فيها العالم العربي، خاصة بعد ما سمي بثورات الربيع العربي..؟.
- في رأيي إن الإستراتيجية الأكثر فاعلية في التعامل مع الأزمات من خلال النظام التربوي هو :
- التحول من “إدارة الأزمة” إلى حل “أزمة الإرادة” التي يمر بها العالم العربي، وتكون من خلال توفر الإرادة لدى الكثير من القيادات والنخب والشعوب على الخروج من «المأزق الحضاري» الذي نعيشه، ونكابد تبعاته المُرّة.
- دور النظم التربوية في تحقيق أهداف المجتمعات العربية لم يعُد مجرد رؤى آيديولوجية أو أفكار نظرية، وإنما حقائق وتحديات مطروحة على أجندة العمل التربوي العربي، من خلال تعزيز تكافؤ الفرص واحترام الهويات المختلفة في إطار الدولة الوطنية الحديثة.
_دكتور عبد الرحمن في نهاية حوارنا الشيق هذا، نطرح عليكم سؤالا أخيرا وهو ما هو تصوركم لواقع المجتمعات العربية بعد 50 سنة بالتقريب سواء من الناحية المعرفية أو الاقتصادية أو السياسية ؟
- في البداية أود أن أشير إلى مفارقة هامة بين المجتمعات الغربية والمجتمعات العربية، فالمجتمعات الغربية تعيش حاضرها وتحاول أخذ العبرة من ماضيها حتى لا تكرر ما حدث فيه من مآسي وإشكاليات ويصبح نقطة انطلاق نحو تحسين الواقع والتفكير في بناء وتخطيط مستقبلها، بينما المجتمعات العربية بالكاد تعيش حاضرها وتظل تتغنى بأمجاد ماضيها ولا تأخذ منه العبرة دون سعي منها لتحسين واقعها أو التفكير بمستقبلها.
- استناداً لما سبق يمكن القول: بأنه نظراً إلى موقعنا في المعادلة الكونية من حيث وجودنا “كمفعول بنا” ولسنا “فاعلين” فإن تصوري لواقع المجتمعات العربية بعد 50 سنة يشوبه الكثير من التوجس والقلق نتيجة لما هو موجود على أرض الواقع من التفكير التخلفي القائم على التحزب والتفكير في التخريب وتدمير الآخر المخالف، من الناحية المعرفية: ستظل الهوة المعرفية قائمة بل ستزداد بين المجتمعات العربية والعالم الخارجي وسنظل مستوردين للنماذج المعرفية الغربية بما تحتويه من ثقافة استهلاكية وقيم غربية لا تناسب مجتمعاتنا. أما من الناحية السياسية والاقتصادية: ستظل مجتمعاتنا العربية بعيدة كل البعد عن التكتلات الاقتصادية الفاعلة وستظل سوقاً لما تنتجه المصانع الغربية والآسيوية نظراً لعدم وجود البديل الكفء، كذلك قد تتغير الخريطة السياسية للمنطقة فتتبدل وتتشكل بطريقة أو بأخرى بأيدي القوى العالمية تبعاً لمصالحها في المنطقة.
_هل من كلمة أخيرة تقدمها للمتتبعين من الأكاديميين والشباب ومختلف أصناف المجتمع بالوطن العربي
- كلمتي الأخيرة أوجهها لكل أفراد المجتمع العربي بجميع طوائفه، وأستهلها بمقولة للشيخ محمد متولي الشعراوي “الذي لا يملك ضربة فأسه لا يملك قرار رأسه ” ، بمعنى أنه لكي يكون لمجتمعاتنا ثقل وشأن في المجتمع الدولي فيجب أن يكون لدينا قوة وقدرة على أخذ قراراتنا المصيرية باستقلالية تامة وهذا لن يتأتى إلا بالعمل المخلص والدؤوب من كل فرد فينا على حسب موقعه، والاستناد إلى التخطيط العلمي والمستقبلي للعمل على وضع مجتمعاتنا في مصاف الدول المتقدمة، والعمل على التقدم بمقترحات وبحوث تطبيقية وحلول قابلة للتطبيق بهدف مجابهة التحديات والمشاكل الملحة التي تواجه مجتمعاتنا العربية.