ثقافة

بورتريه.. “جمال الكتامي” سيرة فنان عصامي

بعد طفولةٍ وبدايةِ شباب حافلتين بالنشاط في الجمعيات الكشفية ثم الثقافية، تعلم خلالها العزق الموسيقي بمجهوداته الذاتية، بدأ الفنان جمال الكتامي مسيرته الإبداعية في مجال الأغنية الملتزمة أو الجادة كما يسميها البعض، سنة 1990 بعد اشتغاله على إحدى القصائد الزجلية النادرة للشاعر المغربي عبد الرفيع جواهري و التي نُشِرت في إحدى نوافذه على جريدة الإتحاد الإشتراكي المغربية، أعقَبت هذه الأغنية محاولات أخرى بالفصيح كانت جميعها تتمحور حول مواضيع ذات بُعد اجتماعي و سياسي..

تجربة الأغنية التي تعتمد النص الشعري/ الفصيح، لم تَحضَ بالتجاوب الذي حظِيت به أغنيتُهُ الأولى المعنونة ب "عام تسعين" و التي كانت تتطرق لحرب الخليج الأولى. و و ما دفع فناننا المنحدر من مدينة تطوان شمال المغرب، إلى العودة للقصيدة الزجلية الساخرة من الوضع السياسي و الإجتماعي الذي كان يعيشه المغرب بداية تسعينيات القرن الماضي.. فَغَنَّى للزجالين مراد القادري و عيسى بقلول الحياني و محمد خوتاري.. لكن ما فتئ أن عاد للقصيدة العربية (عمودية و حديثة) تحقيقا لمتعة شخصية و ضدا على رغبة جمهوره القليل آنذاك..

 

كان الفنان جمال الكتامي يبحث عن قصائده على صفحات إبداعات الشباب في الجرائد الوطنية، كان يجد فيها اندفاع الشباب وتبنيه لقضايا الإنسان.. خصوصا صفحة "على الطريق" بجريدة الإتحاد الإشتراكي التي لحن وغنى منها قصائد للشعراء طه عدنان، عبد الرحمان بويعلاوي، جمال بدومة، لطيفة الملاوي، عبده بن بيهي..

ومع نُضْجِ التجربة، أصبح الفنان جمال الكتامي ينتقي نصوصه بعناية أكبر من أعمال شعراء لهم صيتهم الوطني والعربي. فَبَعد اشتغاله على نص للشاعر عبد القادر وساط، تَوَجَّه للديوان الشعري المغربي، وكانت البداية مع الشاعر عبد السلام بوحجر الذي وضع رهن إشارة فناننا ديوانه الأول ونصوص أخرى لم تكن قد نُشِرَت بعد، ثم محمد شيكي و لطيفة الأزرق.

بعد انقطاع فني دام من 1999 حتى 2014  بسبب إرهاقه بالعمل التطوعي وكذلك الطبيعة غير المقننة بينه وبين الشعراء الذين غنى لهم والذين بدون الترخيص له لم يكنْ من الممكن أن تنتشر أغانيه بالشكل الطبيعي رغم الفرص التي أتيحت لها، استأنف جمال الكتامي مساره الغنائي بالإشتغال على قصائد من دواوين الشاعر محمد شنوف ابتداء من سنة 2015.

جمع أعماله في شريطين، الأول يضم أغاني ذات بُعد سياسي واجتماعي تتطرق لقضايا وطنية وعربية وإنسانية، اختار له كعنوان "صرخة الأطلس" وأهداه لروح الشهيد المهدي بن بركة.. والثاني يعتمد القصيدة الجميلة ويأخذ مسافة من القضايا السياسية في أغلبية الأغاني وهو الموسوم ب "شقائق النعمان" واختار أن يهديه لروح المفكر المهدي المنجرة، ويضم كل شريط تسع أغاني.

لكن، هذا لا يعني أن فناننا قد تخلى عن القضايا السياسية، إذ لَحَّن وغنى خلال النصف الأخير من سنة 2018  أغنيتين، الأولى بعنوان "هناك شيئ أجهله" أهداها للمناضلة الفلسطينية عهد التميمي والثانية وهي مهداة لشهيدة الكرامة حياة بلقاسم التي قُتِلت وهي تحاول الهجرة إلى الضفة الأخرى،  بعنوان "لَوْنُهُ الإحمرار". 

يستقر الفنان جمال الكتامي حاليا بمدينة مكناس وسط المغرب، ورغم قربه من محور الثقافة والفن، إلا أن تجربته تعرف تهميشا كبيرا بسبب المواضيع السياسية التي يثيرها، سواء من طرف الجهات الحكومية المسؤولة أو من الهيئات والمؤسسات الثقافية،  وهو يشير بالأصبع هنا لاتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر ودار الشعر في تطوان ومراكش ومسؤولي المهرجانات الشعرية المدعمة من طرف الدولة، وهو يُذَكِّر في أكثر من مناسبة أنه يخدم القصيدة الشعرية أكثر مما تقوم به هذه المؤسسات المختصة، كما لا يتعب من ترديد "أن لا مجانية في الفن حتى و إن كان يعانق قضايا المستضعفين".

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى