أجسادهم تحولت إلى هياكل عظمية.. الجوع يلتهم أطفال اليمن (تقرير)
أنين خافت يصدر من أجساد هزيلة أنهكها الجوع، ترقد فوق أسِرّة بالجناح الذي خُصص لمعالجة خمسة أطفال في مستشفى "السبعين للأمومة والطفولة" بالعاصمة اليمنية صنعاء.
وبالقرب من الأسّرة التي يرقدون عليها، لا يزال الأمل يسكن قلوب أمهات الأطفال وآبائهم الذين يعيشون في صمت وترقب لمصير أطفالهم.
وفي غضون ذلك، يُكافح الأطباء في المستشفى، لإنقاذ الأطفال الذين يعيشون على شفا الموت؛ إثر سوء التغذية الحاد، حيث يقول أحدهم: "لم نتوقع أن نجد أجسادهم قد تحولت إلى هياكل عظمية".
وكانت السلطات في وزارة الصحة التابعة لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، قد نقلت الأطفال من مديرية أسلم بمحافظة حجة، شمال غربي البلاد، التي تضربها جائحة الجوع، والتي أجبرت السكان على تناول أوراق الأشجار.
وأفاد مراسل الأناضول، أن السكان يأكلون أوراق نبات "الغلف" (الحلص باللهجة المحلية وهو جنس نباتات متسلقة ينتمي للفصيلة الكرمية)، نتيجة الظروف المعيشية المتردية وغياب الطعام وأي مصدر للدخل، إثر انهيار الوضع الإنساني بسبب الحرب المندلعة في اليمن منذ مطلع عام 2015.
في ترقب، وقفت والدة الطفلة رحمة (عامان) عند رأس طفلتها، التي كانت تتنفس بصعوبة، أثناء غرس الأطباء الحقن بشكل معقّد، فساعدها الصغير الذي يتكون من عظم وجلد، لم يتحمل الوخز، والطبيب المعالج يجتهد في البحث عن أوردة لغرس الحقن فيها.
بنبرة لا تخلو من حزن، قالت والدة الطفلة، إن حالة الفقر التي تضرب قراهم المعزولة شمال غربي البلاد، هي ما تسبب في تدهور صحة طفلتها إلى هذه الدرجة، بعد أن عجزت عن توفير الغذاء لها، حتى أنها كانت تنتظر موتها من الجوع.
وأضافت في حديث للأناضول، أن الصدفة هي من أنقذت طفلتها، وأطفال القرية والقرى المجاورة، بعد زيارة وفد من المنظمات المحلية إلى القرية، واكتشافهم المأساة الإنسانية التي تضرب المنطقة.
وأشارت إلى أنه جرى نقلها مع طفلتها وآخرين إلى المستشفى يوم الجمعة الماضي، ومنذ ذلك الحين، بدأت رحمة بالتحسن تدريجيًا بعد أن لاقت الرعاية الطبية.
وتستأنف سرد تفاصيل معاناتها: "حالتنا صعبة، وطفلتي كانت بحاجة إلى الحصول على التغذية والدواء، وأنا كنت أيضًا مصابة بسوء التغذية، والدنيا مغلقة أمامنا، فنحن فقراء ولا يوجد معنا أي طعام ولا مصدر دخل، وكل شيء غالي الثمن".
وارتفعت أسعار السلع الأساسية في اليمن إلى 300% على الأقل مع انهيار العملة المحلية التي وصلت إلى أدنى تراجع لها أمام سلة العملات الأجنبية، حيث فقد الريال اليمني 40% من قيمته منذ منتصف يوليو/تموز الماضي.
ويستورد اليمنيون بالعملة الصعبة، 85% مما يستهلكونه، بما في ذلك المواد الأساسية (القمح والأرز والسكر وحليب الأطفال وزيت الطعام والوقود)، وفق تقديرات اقتصادية غير رسمية.
من جهته، قال وزير الصحة في حكومة الحوثيين (غير معترف بها)، طه المتوكل في تصريح للأناضول، إن مليوني طفل في اليمن يعانون من حالات سوء التغذية الحاد، وإن نسبة منهم قد يتعرضون للوفاة إذا لم يتم التوصل لهم وإنقاذهم بشكل عاجل.
وأضاف: "هناك طفل من كل ثلاثة أطفال يمنيين دون سن الخامسة، يعاني من سوء التغذية، وكل 10 دقائق يموت طفل إثر سوء التغذية والالتهابات المعوية والحمى، والسبب الرئيسي افتقار أولئك الأطفال للتغذية، وعدم تمكن أهلهم من الوصول إلى العلاج".
وأشار "المتوكل" إلى أن ثمانية من أصل تسعة أطفال مصابون بفقر الدم، وحوالي مليون و200 ألف امرأة في سن الإنجاب أو متزوجة مصابة بسوء التغذية، ما قد يوسّع من دائرة انتشار سوء التغذية بين الأطفال.
والجمعة الماضي، حذر مكتب منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية المقيمة في اليمن، ليز غراندي، من أن انهيار العملة المحلية يُفاقم خطر المجاعة، الذي يواجهه ملايين المواطنين.
وأضاف في بيان: "إذا استمرت قيمة الريال اليمني بالانخفاض، فإن 3.5 إلى 4 ملايين شخص آخرين سيصبحون في وضع ما قبل الجوع".
وأوضحت، أن أسعار السلع الأساسية ارتفعت بشكل حاد في الأسابيع الأربعة الماضية، بسبب الانخفاض السريع في قيمة الريال، مضيفة: "أصبح الوضع لا يُطاق بالفعل، وسوف نصل إلى نقطة اللارجعة ما لم يتم القيام بشيء لإنقاذ العملة".
وقالت غراندي، في البيان، إن اليمن يعاني أصلًا من أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ وأن عددًا "لا يحصى" من المواطنين، في جميع أنحاء البلاد، يعيشون "على شفير الموت".
ويشهد اليمن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج أكثر من 22 مليون يمني أي 75% من السكان إلى نوع من المساعدة أو الحماية.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 65 ألف يمني، قد قتلوا أو جرحوا في النزاع، فيما وثقت الأمم المتحدة مصرع 16 ألف مدني، حسب مركز أنباء الأمم المتحدة.
وتطلب الأمم المتحدة وشركاؤها ثلاثة مليارات دولار، لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، وحتى الآن تلقت الخطة 65% من إجمالي المبلغ المطلوب.
ومنذ نحو 4 أعوام، تشهد البلاد حربًا عنيفة بين القوات الحكومية، مسنودة بالتحالف العربي من جهة، ومسلحي جماعة "الحوثي" من جهة أخرى، ما تسبب بتدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية بشكل غير مسبوق.