صحافة

تقرير: كواليس من منزل “حياة” وملابسات ما حدثَ بين الشرطة وأفراد الإلتراس

خلف مقتل حياة بلقاسم، الأسبوع المنصرم، إثر استهداف البحرية الملكية لقارب مطاطي يقل مرشحين للهجرة صوب السواحل الإسبانية، سخطاً حقوقياً وغضباً شعبيا واسعاً انعكسَ على مواقع التواصل الاجتماعي وامتد إلى احتجاجات شملت شوارع مدينة تطوان وملعبها ومؤسساتها التعليمية.
كما استنفرت السلطات المحلية، على مستوى المدينة، أجهزتها الأمنية طيلة الأسبوع منذ انتشار نبأ مقتل الفتاة، وتجلى أحد مظاهر هذا الاستنفار في مرابطة أعوان السلطة بشكل يومي أمام بيت عائلة حياة القاطنة في "جبل درسة"، حسب ما عاينه موقع "أنباء 24".

منزل محاصر وأسرة تتذمر

مصادر مطلعة نقلت حال أسرة حياة بلقاسم وأجواء بيت العزاء المحاصر أمنياً، موضحة للموقع أن "العزاء أقيم في بيت عمتها لأن منزل الأسرة يفتقر إلى أبسط مقومات عيش أفراده"، متسائلة "فكيف يمكنه استيعاب الزوار الوافدين من أجل التعزية والمواساة؟"، وكشفت المصادر ذاتها، من بينهم أحد أقارب الفقيدة، أن أعوان السلطة يرابطون طيلة الأسبوع أمام البيت، وتعدى سلوكهم مجرد المراقبة إلى "منع دخول الزوار إلى بيت العزاء، باستثناء الأقارب والجيران، منذ يوم الجنازة إلى عصر يوم الجمعة". 

ولم تتحمل العائلة المكلومة ضغط أعوان السلطة ومراقبتهم المكثفة للمكان داخل المنزل وخارجه، وبدا ذلك من خلال "شكوى العمة صاحبة البيت وتذمرها منهم، معتبرة سلوكاتهم إزعاجا لأفراد الأسرة وللزوار المواسين لهم في فقدان فلذة كبدهم".

وكشفت ذات المصادر، أن السلطات المحاصرة لمنزل "حياة" تستمر في منع الصحافيين والجمعيات المدنية من الوصول إلى أسرة الفقيدة، حيث تمثَّل آخر مظاهر هذا المنع في التضييق على قناة أجنبية كانت تحاول التواصل مع الأم المكلومة وتصوير ملاذ "حياة" قبل وفاتها، إلا أن أعوان السلطة حالوا دون ذلك بعد توقيف طاقمها وطردهم من الحي.

وفي تصريح لموقع "أنباء 24" أكد محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أن هذه السلوكات "إجراءات روتينية لا يجب أن تمس بالحياة الطبيعية للأسرة التي فقدت ابنتها في ظرف مأساوي" معتبراً ذلك "مساساً بكرامة" عائلة حياة، وأضاف "عوض أن تراقب السلطات منزل حياة وأم حياة عليها أن تراقب منحى إيجاد حلول حقيقية للشباب بالمنطقة".

حدث مأساوي

واعتبر الناشط الحقوقي مقتل حياة بلقاسم "حدثاً مأساوياً"، خاصة وأنه "أودى بحياة مواطنة كانت تهاجر بحثاً عن حياة أفضل بسبب القهر والظلم والإقصاء الاجتماعي"، ويرى أن إطلاق البحرية الملكية للنار "سلوكا مؤسفا"، رغم ارتباطه بظروف حساسة تتمثل في "اختراق القارب المطاطي للسيادة الحدودية وهذا طبعا لا يبرر مقتل إنسانة بريئة".

وسجل بنعيسى من بين أسباب هجرة "حياة" وغيرها من الشباب، "الظروف الاجتماعية التي أدت بهم إلى ركوب القارب والمغامرة بحياتهم من أجل حياة أفضل"، إضافة إلى غياب فعاليات المجتمع المدني، عن هموم الشباب وهموم الفئات المهمشة في أوساط المجتمع، وعدم ظهورها إلا تفاعلا مع الأحداث.

ويرى الباحث في شؤون الهجرة وحقوق الإنسان، أن دور المجتمع المدني لا يجب أن يُختزل في "التنديد والاستنكار وتنظيم الوقفات الاحتجاجية فقط"، بل ويتمثل حسب قوله في أن "تكون له نظرة استباقية للأوضاع ولِما سيمكن أن تؤول إليه من تطورات".

ومن بين الأسباب أيضا، يضيف ذات المتحدث، انتعاش الاقتصاد الإسباني بالخصوص، الذي أصبح يحتاج لليد العاملة، وعوامل دفع داخل المغرب متمثلة في بعض المشاكل الاجتماعية و"عدم وجود مبادرات مقنعة للشباب بالعيش أو إيجاد حياة أفضل في بلدهم الأم".

الإلتراس تحتج وتتبرأ من الشغب

وفي سياق متصل، عاشت الحمامة البيضاء، قبل يومين، على وقع احتجاجات اكتست باللون الأسود حداداً على مقتل حياة بلقاسم، حيث خرج عدد من شباب المدينة في مسيرة احتجاجية بناء على دعوة من فصيل "اللوس ماطادوريس" المشجع لفريق المغرب التطواني، رفعوا خلالها شعارات تندد بالواقعة المأساوية وتطالب بتقديم المتورطين أمام العدالة، من قبيل "بالروح بالدم نفديك يا حياة"، "الشعب يريد من قتل حياة"، محملين المسؤولية في نفس الوقت للدولة من خلال هتافهم "حياة ماتت مقتولة والدولة هي المسؤولة"، قبل أن تنتهي الاحتجاجات بأحداث شغب وتخريب للممتلكات العمومية بعد مباراة الفريق التطواني أمام الكوكب المراكشي.

ويضعنا أحد قادة الإلتراس، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، أمام ملابسات شكلهم الاحتجاجي، خارج وداخل ملعب "سانية الرمل"، في رد على الذين اتهموا مجموعة "اللوس ماطادوريس" بإثارة الفوضى وتخريب الممتلكات الخاصة والعامة بشارع الوحدة وسط مدينة تطوان.

وقال لموقع "أنباء 24" في اتصال هاتفي، إن فصيلهم تدخل في قضية "حياة" بعد صمت الجمعيات المدنية والحقوقية وامتناعها عن التضامن مع ابنة مدينتهم وبالتالي، يضيف المتحدث، "قررنا الاجتماع في ساحة مولاي المهدي حيث نجتمع دائماً قبل كل مباراة، ونظرا لتواجد الناس بكثافة هناك فكرنا هذه المرة في تجسيد احتجاج سلمي باللباس الأسود يرتيده المنخرطون داخل الإلتراس"، وأشار المشجع إلى أنهم فوجئوا بوصول أعوان السلطة وقوات الأمن إلى مكان انطلاق المسيرة قبلهم، واسترسل قائلاً بنبرة صوتٍ متأسفة "منعوا الحشود من التجمهر وضربوا الأطفال".

وأدى تدخل قوات الأمن في حق المتظاهرين، إلى توزعهم على شكل ثلاث مجموعات، توجهت صوب ملعب "سانية الرمل" حيث كان مقررا الاحتجاج بواسطة رسائل تضامنية وتنديدية بمقتل "حياة"، وهنا استنكر المتحدث تغاضي السلطات عن الأعلام الإسبانية أثناء تفتيش الجمهور قبل ولوج الملعب، حيث قال "فتشونا وأزالوا كل شيء معنا وفي نفس الوقت لم يمنعوا حاملي العلم الإسباني من الدخول أو على الأقل احتجازه خاصة في هذه الظرفية الحساسة"، واصفاً الفعل بـ"التصرف الغريب".

وكشف القائد في فصيل "اللوس ماطادوريس" أن مجموعته أعدت رسالة بغرض تمريرها، خلال مباراة فريقهم أمام الكوكب المراكشي، قبل اكتشافها من طرف الأمن واعتقال أحد زملائهم الذي من المفترض أن يدخلها معه إلى مدرجات الملعب، وتتضمن الرسالة، حسب الشاب المتحدث، العبارتين "قتلونا كاملين / ماتت حياة وهي تبحث عن الحياة"، وأضاف أن المشجع الذي تم إيقافه لايزال في قبضة السلطات الأمنية لليوم الثالث على التوالي، رفقة آخرين اعتُقلوا بعد المباراة على خلفية أحداث الشغب ورفع الأعلام الإسبانية في شوارع المدينة.

وعبّر الشاب في حديثه إلى الموقع عن استنكار الإلتراس لأحداث الشغب، بقوله "نرفضها بشكل قاطع ولم ندع إليها أبدا"، وشدد على أن الذي يخرب ويثير الفوضى لا يمثل الإتراس، مؤكداً أن المجموعة مهمتها هو تأطير الجمهور داخل الملعب، وأن تلك المهمة تنتهي بمجرد انتهاء التسعين دقيقة، وأوضح المتحدث أن "بطاقة هوية المنخرط لا تحمل اسم الالتراس بعد خروجه من الملعب، بل تحمل اسمه ونسبه ولا يجدر محاسبتنا من طرف السلطة بشأن فضاءات لا نتحمل مسؤولية ما يقع فيها".

طلاب يكرمون زميلتهم الشهيدة

من جهتهم نظم طلاب كلية الاداب والعلوم الانسانية بمرتيل، طيلة يوم الاثنين، ما أسموه "يوما احتجاجيا وتضامنياً" من أجل زميلتهم الشهيدة حياة بلقاسم، حسب بلاغ لمكتب التعاضدية التابع للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ورفع الطلاب صور الطالبة الراحلة داخل المدرجات مرفوقة بعبارة كلنا حياة، وطالبوا من خلال أوراش موزعة في ساحة الكلية بمحاسبة المسؤولين عن مقتلها، معبرين عن رفضهم للمقاربة الأمنية التي تنهجها السلطات في التعاطي مع ملف المرشحين للهجرة.

وكانت الفقيدة طالبة في شعبة القانون بالكلية المذكورة، قيد حياتها، قبل أن تقرر ركوب قارب الموت المتوجه صوب الضفة الأوروبية، بحثا عن عيش كريم وحياة أفضل هروبا من الفقر والتهميش.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى