ثقافة

زكاة الفطر؛ أحكامها ومقاصدها

1- حكم زكاة الفطر:

زكاة الفطر صدقة تجب بالفطر في رمضان، وأضيفت إلى الفطر لأنها سبب وجوبها، قال الحَافِظُ ابنُ حَجَر: (أُضِيفَت الصَّدَقَةُ للفِطْرِ؛ لِكَونِهَا تَجِبُ بِالفِطْرِ مِن رَمَضَانَ)[1].

وهي واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، بالسنة والإجماع؛ عـن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد أو ذكر أو أنثى من المسلمين)[2].

وعنه أيضا أنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)[3]. (والمراد هنا صلاة العيد).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من أَقِطٍ أو صاعا من زبيب)[4].

ولها أسماء عدة وردت في نصوص شرعية، منها:

صدقة الفطر، وزكاة الفطر، وزكاة الصوم، وصدقة رمضان.

2- من أحكام زكاة الفطر:

* وقت إخراجها:

الأصل أنه؛ يندب إخراجها بعد فجر يوم العيد، ويجوز إخراج صدقة الفطر قبل يوم العيد بيوم أو يومين، كما كان يفعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ولا يجوز أكثر من ذلك على المعتمد. وقيل يحرم تأخيرها عن يوم العيد، ولكن لا تسقط بمضي ذلك اليوم، بل تبقى في ذمته أبداً حتى يخرجها، طالما كان غنياً وقت وجوبها.

* مقدارها:

صدقة الفطر صاع عن كل شخص، والصاع أربعة أمداد، والمد حفنة ملء اليدين المتوسطتين. فالمد يساوي: 544 جراما حسب الوزن بالقمح.

والصاع يساوي بالوزن الحالي: كيلوين و176 جراما حسب الوزن بالقمح.

وإذا وجبت صدقة الفطر على المكلف ولم يكن مستطيعاً إخراج كامل الصدقة بل بعضها أخرج ذلك البعض وجوباً، لحديث أبي بكر رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، فمثلاً إذا وجب عليه إخراج صدقة الفطر عن عدة أشخاص، وكان غير قادر على إخراجها عنهم جميعاً، ولكن يستطيع إخراجها عن بعضهم، فإنه يبدأ بإخراجها عن نفسه أولاً، ثم عن زوجته، ثم عن والديه الفقيرين، ثم عن ولده.

* الأصناف التي تخرج منها:

يخرج المكلف صدقة الفطر من غالب قوت أهل البلد، الذي هو أحد الأصناف التسعة التالية: القمح، الشعير، السلت، الذرة، الدخن، الأرز، التمر، الزبيب، الأقط (لبن يابس أخرج زبده)، وجمع بعضهم الثمانية الأولى في بيت فقال:

قمح شعير وزبيب سلت… تمر مع الأرز دخن ذرة

ولا يجزئ إخراجها من غير غالب هذه الأصناف التسعة، إلا إذا كانت إحداها أفضل فيندب الإخراج منها كما لو غلب اقتيات الشعير فأخرج قمحاً.

كما لا يجوز إخراجها من غير هذه الأصناف التسعة كالفول والعدس مثلا، إلا إذا فُقدت الأصناف التسعة المذكورة، واقتيت غيرها فيخرج من الغالب في الاقتيات. وإذا أراد المكلف أن يخرج صدقته من اللحم اعتبر الشبع في الإخراج، فمثلاً إذا كان الصاع من القمح يشبع اثنين لو خُبِزَ، فيجب أن يخرج من اللحم ما يشبع اثنين.

قال الحطاب: (… فإن كان أهل بلد ليس عندهم شيء من الأصناف التسعة، وإنما يقتاتون غيرها فيجوز أن تؤدى حينئذ من عيشهم، ولو كان من غير الأصناف التسعة، قال في المدونة: قال مالك: وتؤدى زكاة الفطر من القمح والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والتمر والزبيب والأقط صاع من كل صنف منها ويخرج ذلك أهل كل بلد من جل عيشهم من ذلك، والتمر عيش أهل المدينة ولا يخرج أهل مصر إلا القمح لأنه جل عيشهم إلا أن يغلو سعرهم فيكون عيشهم الشعير فيجزئهم، قال مالك: ولا يجزئ في زكاة الفطر شيء من القطنية، وإن أعطى في ذلك قيمة صاع من حنطة أو شعير أو تمر مالك ولا يجزئه أن يخرج فيها دقيقا ولا سويقا وكره مالك أن يخرج فيها تينا، وأنا أرى أنه لا يجزئه، وكل شيء من القطنية، مثل اللوبيا أو شيء من هذه الأشياء التي ذكرنا أنها لا تجزئ إذا كان ذلك عيش قوم فلا بأس به أن يؤدوا من ذلك ويجزئهم، انتهى)[5].

* إخراجها نقدا:

المشهور في المذهب المالكي عدم إخراج القيمة، قال مالكٌ: ولا يُجْزِئُهُ أَنْ يدفع في الفطرةِ ثمناً. اهـ[6]. وسئل عن الرجل لا يكون عنده قمح يوم الفطر، فيريد أن يدفع ثمنه إلى المساكين يشترونه لأنفسهم، ويرى أن ذلك أعجل؛ قال: لا يفعل ذلك، وليس كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن رواية عيسى قال ابن القاسم: ولو فعل لم أر به بأساً.

قال محمد بن رشد: رواية عيسى هذه عن ابن القاسم خلاف رواية أبي زيد عنه بعد هذا، وقد قيل: إنها ليس بمخالفة لها، وإنما خفف ذلك[7].

لكن الجمهور على جواز إخراجها نقدا لما فيه مصلحة المزكي والمستفيد. وعملا بروح النصوص الواردة في زكاة الفطر، وخاصة الحديث الذي رأينا: أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم”. وكذلك لتؤدي المقاصد المرجوة منها.

3- مقاصدها:

شرعت زكاة الفطر لتحقيق مقاصد تربوية واجتماعية، منها:

* تجبر نقصان الصوم، فعَنْ وَكِيعٍ بْنِ الْجَرَّاحِ رحمه الله قَالَ: “زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَتِي السَّهْوِ لِلصَّلاةِ، تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلاةِ”[8]. وهي أيضا تكميـل للأجر وتنمية للعمل الصالح.

*سبـبُ الفـوز عند الله تعالى: فقد قيل هي المقصودة بقوله تعالى في سورة الأعْلَى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى[9]. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ قَالا: أي؛ “أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلاةِ” (يقصد صلاة العيد).

* تطهير الصائم من اللمم؛ قد يقع الصائم في شهر رمضان ببعض المخالفات التي تخدش كمال الصوم من لغو ورفث وصخب وسباب ونظر محرم، فشرع الله عز وجل هذه الصدقة لكي تصلح له ذلك الخلل الذي حصل فيه، “عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ”[10]. وبذلك يكون صياما تام الأجر ويفرح به المسلم فرحا تاما يوم القيامة.

* إظهار شكر الله تعالى على نعمه، وعلى توفيقه بإتمام صيام شهر رمضان وما يسر من قيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة.

* مواساةٌ للفقراء والمساكين، وإغناء لهم من ذل الحاجة والسؤال يوم العيد.

* إطعام للمساكين والمحتاجين أيـام العيد، وبذلك تعُـم الفرحة في يوم العيد لكل الناس حتى لا يبقى أحد في هذا اليوم محتاجا إلى القوت والطعام ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم”، وفي رواية: “أغنوهم عن طواف هذا اليوم”[11].

ومعنى ذلك إغنـاء الفقير يوم العيد عن المسألة. لذلك أجاز العلماء إخراجها قبل يوم العيد بيومين أو ثلاثة، قال الإمام البغوي: (والسُّـنة أن تخرج صدقة الفطر يوم العيد قبل الخروج إلى المصلى، ولو عجَّـلها بعد دخول شهر رمضان قبل يوم الفطر يجوز، و”كان ابن عمر يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة”[12].)[13].

* تزكيةٌ للنفس وتطهيرُ لـها من داء الشح والبخل.

* زكاةٌ للنفوس والأبدان: تُـعد صدقة الفطر زكاة عن الأبدان والنفوس وقربة لله عز وجل عن نفس المسلم، أو زكاة لبدنه، وبعبارة أخرى تعبر عن شكر العبد لله عز وجل على نعمة الحياة والصحة التي أنعم الله عز وجل بها على عبده المسلم. لذلك شرعت على الكل بما فيهم الصغير والعبد والصائم والمفطر سواء أكان مفطراً بسبب شرعي أم غير شرعي.

*إشاعةٌ روح التكافل والمحبة والمودة بين أفراد المجتمع المسلم، وذلك بالإحسان إلى الفقراء، وَكَفُهـم عن السُؤال في أيــام العيد ليشارِكوا الأغنياء فِي فرحـهم يوم عيد.

نسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام والزكاة، وسائر الأعمال. آمين والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]– فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج:3 / ص:367.

[2]– رواه الإمام البخاري، كتاب: الزكاة، باب: صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين،

حديث رقم: 1504. ورواه الإمام مالك في الموطأ، كتاب: الزكاة، باب: مكيلة زكاة الفطر،

حديث رقم: 627/54.

[3]– الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب: الزكاة، باب: صدقة الفطر، حديث رقم: 1503.

[4]-رواه الإمام البخاري، كتاب: الزكاة، باب: صدقة الفطر صاع من طعام، حديث رقم: 1506.

ورواه الإمام مالك في الموطأ، كتاب: الزكاة، باب: مكيلة زكاة الفطر، حديث رقم: 628/55.

[5] – الحطاب، مواهب الجليل، 2 / 368.

[6] – ابن رشد، النوادر والزيادات، 2 / 303

[7] – ابن رشد، البيان والتحصيل، 2 / 486.

[8]– رواه الإمام النووي في مجموع الزوائد.

[9]– سورة الأعلى، الآيتان: 14-15.

[10]– رواه أبو داود، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر، حديث رقم: 1609.

[11]– رواه الدارقطني في سننه، كتاب: “زكاة الفطر”، حديث رقم:67.

[12]– من حديث رواه الإمام مالك في الموطأ، كتاب: الزكاة، باب: وقت إرسال زكاة الفطر،

حديث رقم: 630/57.

[13]– شرح السنة للإمام البغوي، ج: 4 / ص: 44.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى