حوارات

بلمودن لأنباء24..رمضان فرصة لتربية النفس ومجاهدتها وتوطينها على نهج الاستقامة

يسرنا في إدارة الصحيفة الالكترونية أنباء 24 ، أن نرحب بالدكتور فؤاد بلمودن الأستاذ الجامعي المتخصص في الدراسات الاسلامية في هذا الحوار الحصري، الذي نتطرق فيه لبعض الأحكام والاداب المتعلقة بشهر رمضان المبارك الذي سيحل علينا بعد أيام قليلة ،نتناول فيه محورين هامين وهما : كيف نستقبل شهر رمضان المبارك وكيف يكون المسلم في رمضان.

١ونحن على بعد أيام قليلة من شهر رمضان، شهر الصيام، كيف يستقبل المسلم عموما هذا الشهر الفاضل؟

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على رسوله الأمين، بداية أعبر عن شكري للصحيفة الإلكترونية أنباء 24 على هذه الاستضافة الكريمة متمنيا لها مزيدا من التميز والعطاء.

لا شك أن شهر رمضان من الشعائر الإسلامية الجامعة التي ماتزال هيبتها وحرمتها قوية في قلوب المسلمين، يتجلى ذلك في  الإقبال الواسع على صوم رمضان والانخراط الواسع في أجوائه المفعمة بالإيمانيات الجائشة والروحانيات الدافقة، فتمتلئ بيوت الله بالمصلين بل تضيق جنباتها عن احتوائهم، ويعم الإقبال كل الفئات: الرجال والنساء والصبيان والشيوخ، في مشهد  رائع تتوحد فيه  القلوب والمشاعر صوب وجهة واحدة وهي  التقرب إلى الله تعالى  والتزلف إليه بالصوم وتلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار.

فالمطلوب أن نستقبل شهر رمضان بنية التوبة الشاملة إلى الله تعالى وبالعزم على التجديد الشامل: تجديد الإيمان في القلوب في هذه المحطة السنوية، وتجديد حياتنا الدينية والدنيوية، فهي فرصة للإقلاع عن الذنوب والمعاصي والابتعاد عن رفاق السوء، والقطع مع العوائد السيئة من تدخين وخمر ومخدرات وقمار وغيرها…فقد أخرج البخاري في كتاب الصوم وأصحاب السنن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال عليه الصلاة والسلام: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".

كما أن استثمار هذه الأجزاء الإيمانية لا ينبغي أن يقف عند هذا المستوى العبادي والفردي المتعلق بإصلاح النفس، بل لا بد أن يشكل الدافع نحو تجديد حياتنا وتنميتها بالإقبال على طلب العلم والمعرفة واكتساب الخبرة في مجال التخصص بما يحقق لصاحبه الإحسان في العبادة والعمل، فإن الله كتب الإحسان على شيء، كما ورد في الحديث الذي أخرجه مسلم عن شداد بن أوس. فالإحسان المطلوب من المسلم والذي يتحقق به كمال القصد وتمام العمل هو الذي ينتظم العبادة والعمل، وعليه يكون المسلم في شهر رمضان مثالا للحيوية والعطاء في العبادة والعمل، فهو مقبل على الصوم بكل جوارحه، ومقبل على العمل الصالح، وما ينبغي أن يجمع  بين المتناقضات، بين النشاط في العبادة والكسل في العمل، والتخلي عن فعل الخير، فإن ذلك مخالف لهدي النبي الكريم  فيما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله قال: "كان رسول الله أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان".

٢- بناء على ما تفضلت، كيف يجب أن نصوم رمضان؟

فيما يتعلق بالكيفية التي يجري عليها صوم المسلم في رمضان فإنه يسترشد في كل ذلك بأحكام الدين كما فصلها القرآن والسنة، وبمقاصد الصوم، الجلي منها والخفي كما استنبط ذلك علماء الإسلام وحكماؤه من رجال التربية والسلوك، أما أحكام الدين، فإن المسلم يصوم مع أهل بلده ويلزم برؤيتهم للهلال، ويبدأ صومه من أول أيام رمضان إلى آخر يوم منه، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يمسك فيها إمساكا كاملا عن شهوات البطن والفرج وسائر المفطرات، إلا إذا كان من أصحاب الأعذار الشرعية فيكون أمامهم القضاء أو الفدية.

وأما مقاصد الصوم، فقد صرح بها القرآن في قوله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات)) البقرة: 183-184 فالغرض من الصوم أساسا هو تحقيق التقوى، من خلال إخلاص العبادة لله تعالى صوما وصلاة وتلاوة للقرآن وتصدقا على الفقراء، وزهدا وتقللا  من النعم، فمقصد التقوى الأعظم ينتظم عددا من المقاصد الفرعية وهي البذل في سبيل الله، والصبر على ما يلقاه من مشقة الطاعة، وشكر الله تعالى على ما أفاء عليه من النعم ظاهرة وباطنة.

٣- هلا تفضلت أستاذ، باعطاءنا تعريفا مختصرا عن الصوم؟وبعض آدابه؟

يعرف الصوم في اللغة بأنه الإمساك والامتناع عن الشيء، قال ابن منظور في لسان العرب: "الصوم: ترك الطعام، والشراب، والكلام: صام يصوم صوماً وصياماً، واصطام  والصوم في اللغة: الإمساك عن الشيء، والترك له، وقيل للصائم: صائم، لإمساكه عن المطعم والمشرب، والمنكح، وقيل للصامت: صائم لإمساكه عن الكلام، وقيل للفرس: صائم؛ لإمساكه عن العلف مع قيامه  قال أبو عبيدة: كل ممسك عن طعام، أو كلام، أو سير فهو صائم."

قال النابغة الذبياني:

خيل صيام وخيل غير صائمة**** تحت العجاج وأخرى تعلك اللجُما

وهو يقصد بصائمة ممسكة عن الحركة والجولان.

 وعرف ابن حجر الصوم  شرعا بأنه: إمساكٌ مخصوص، في زمن مخصوص، من شيء مخصوص، بشرائط مخصوصة.

ويعرفه الفقهاء المالكية كما ورد في شرح الخرشي بأنه: الإمساك عن شهوتي البطن والفرْج وما يقوم مقامها مُخالفةً للهوى في طاعة المولى في جميع أجزاء النهار بنيةٍ قبلَ الفجر أو معه، فيما عدا زمنَ الحيض والنفاس وأيام الأعياد.

أما آداب الصوم فنجملها فيما يلي:

-الإخلاص لله تعالى والسعي لنيل مرضاته وابتغاء ثوابه.

-الاشتغال بذكر الله والاستكثار من تلاوة القرآن لأن شهر رمضان هو شهر القرآن، وليست عبادة أحب إلى الله في رمضان بعد الصوم من تلاوة القرآن، والمواظبة على أداء الصلوات المفروضة والنوافل، فرمضان موسم الخيرات يتزود فيه المسلم بما يبلغه السنة من صالح الأعمال ولا يقنع منها بالقليل، فالقناعة من الله بالقليل حرمان وأي حرمان.

-حفظ الجوارح من اللغو والرفث والفسوق وقول الزور وفعله ومن سائر المعاني التي تنتقص الثواب وتورد العبد موارد الإفلاس، فالصوم كما مضى شامل لكل الجوارح ومانع لكل المحرمات الحسية والمعنوية، فقد روى البخاري عن جابر رضي الله عنه: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء".كما يلزم المسلم ترك المراء والنزاع  والمسابة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:"إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم".قال ابن تيمية:"ويتبع ذلك الإمساك عن الرفث والجهل وغيرهما من الكلام المحرم والمكروه، فإن الإمساك عن هذه الأشياء في زمن الصوم أوكد منه في غير زمن الصوم."

هذا بالإضافة إلى آداب أخرى عديدة كالحرص على وجبة السحور لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "تسحروا فإن في السحور بركة". وتعجيل الفطور لقوله عليه الصلاة والسلام كما ورد في الصحيحين: "لايزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"، ويستحب أن يكون الإفطار على رطب أو تمر، فإن لم يكن فماء لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد: "إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإن الماء طهور".

٤-ما هي الأمور الأخرى المطلوبة في شهر رمضان، غير الطاعات من صلاة وصيام….؟

هناك أمور أخرى يطلب إلى المسلم تحقيقها خلال شهر رمضان غير الصوم والعبادات الفردية، وتتمثل في تمثل قيم الإيجابية داخل فضائه الإجتماعي، داخل أسرته بإحسان المعاملة مع  الأقارب و الوالدين صلة وبرا وإحسانا، ومع الزوجة والأبناء وفاء وعرفانا، ومع الجيران توقيرا واحتراما، وفي شهر رمضان ينبغي صلة الفقراء وإكرامهم تأسيا بنبي الرحمة الذي كان أجود ما يكون في رمضان، ناهيك عن ضرورة التهمم بهموم الأمة والتبتل والضراعة إلى الله تعالى أن يفرج عن إخواننا في سوريا وفلسطين وفي سائر البقاع وأن يحقن دماءهم الزكية ويضمد جراحهم النازفة، إنه عز وجل على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.

٥- كيف يحافظ المرء على أجواء رمضان، بعد رمضان؟

إذا كان من المعلوم ان رمضان محطة سنوية يتزود منها المسلم على قدر طاقه ونطاقه، فإنها بلا شك فرصة سانحة لتربية النفس وتزكيتها ومجاهدتها وإكسابها قيما جديدة وأحوالا إيمانية مديدة تجعل المسلم يترقى من عبادة التجار الذين يغتنمون الفرص والأوقات الفاضلة إلى عبادة الأحرار الذين يقطعون أشواطا على درب التزكية والسلوك إلى الله في فطم النفس عن شهواتها والحيلولة دونها، وترويضها وتوطينها على نهج الاستقامة القويم، فالمقصد الاعظم والغاية الأسنى من تشريع رمضان هو أن يعطى المؤمن نموذجا حيا للحياة الربانية الثرية بالمعاني الإيمانية والغنية بالإمدادات الروحانية، فالقصد هو أن تجعل حياتك كلها رمضان من خلال تمثل يوم المؤمن وليلته، والحرص على عمل اليوم والليلة وفق هدي القرآن وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، جعلنا الله وإياكم ممن يعيشون حياة كريمة طيبة ثرية ملؤها العلم النافع والعمل والصالح والإقبال على الله تعالى في هذا الشهر وفي سائر الشهور، والحمد لله رب العالمين.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى