دولي

جاويش أوغلو: محاربة أعداء الديمقراطية بالديمقراطية(مقال)

مقال لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بعنوان "محاربة أعداء الديمقراطية بالديمقراطية" نشرتها مجلة "نيوزويك" الأمريكية اليوم الإثنين، ويشرح فيها تفاصيل وأبعاد المؤامرة التي قادها الانقلابيون الخونة المرتبطون بتنظيم "فتح الله غولن" الإرهابي في بلاده، للإطاحة بالنظام الدستوري والحكومة المنتخبة عبر الوسائل الديمقراطية.

ويبين وزير الخارجية في مقاله الذي يعيد موقع أنباء 24 نشره ، أن تركيا كانت "تمتلك المقدرة والنضوج اللازمين للتصدي لمثل هذه المصائب المروعة"، وأشار إلى أن الديمقراطية التركية انتصرت في المعركة والامتحان الذي وضعت أمامه.

كانت ليلة الخامس عشر من تموز/يوليو، ليلة جميلة بالنسبة للكثيرين، ولكنها تحولت إلى ما يشبه الكابوس المخيف بالنسبة للديمقراطية التركية. حيث قام الانقلابيون الخونة المرتبطين بتنظيم فتح الله غولن الإرهابي الذين تخفّوا في صفوف الجيش بمحاولة النيل من رئيس الجمهورية والإطاحة بالنظام الدستوري والحكومة المنتخبة في البلاد عبر الوسائل الديمقراطية. وخان هؤلاء بزاتهم العسكرية المقدسة، وقتلوا المدنيين الذين تصدوا لهم بشجاعة، ودهسوا هؤلاء المدافعين الأبرياء عن الديمقراطية بالدبابات، وحاولوا اغتيال السيد رئيس الجمهورية. إضافة إلى ذلك، قصفوا المجمع الرئاسي ومجلس الأمة التركي الكبير، حيث كان النواب مجتمعين تحت قبته، واقتحموا وسائل الإعلام المحايدة التي كانت تواصل بث برامجها المدافعة عن الديمقراطية في ظل هذه الظروف. ولكن تم إحباط محاولة الانقلاب الخائنة هذه، وإنقاذ الديمقراطية التركية من على حافة الهاوية، وذلك بفضل العزم الذي أبدته الدولة التركية ووحدة الحال التي أظهرها الشعب التركي.

وباعتبارها عضواً مؤسساً للمجلس الأوربي، وقلعة لحقوق الإنسان وسيادة الديمقراطية والقيم والضوابط الديمقراطية العالمية، ودولة تواصل مفاوضات العضوية مع الاتحاد الأوربي، فإن تركيا، ولحسن الحظ، تمتلك المقدرة والنضوج اللازمين للتصدي لمثل هذه المصائب المروعة. نعم، لقد انتصرت الديمقراطية التركية في المعركة التي اندلعت في تلك الليلة. والآن نخوض معركة أخرى من أجل إنهاء هذه المرحلة المحزنة من حياتنا بشكل كامل.

ومنذ مدة طويلة ونحن نحاول إطلاع أصدقائنا وشركائنا وحلفائنا على الأهداف السيئة التي يسعى فتح الله غولن إلى تحقيقها، والتي رأينا بعضاً منها بوضوح في الخامس عشر من تموز/يوليو. وعلى الرغم من الجهود المضادة التي بذلناها إلا أن أتباع هذا الشخص استطاعوا النفوذ بسرية إلى القطاع الخاص وأجهزة الدولة على مر السنين. ولكن ولحسن الحظ أصبحت المحاولة الانقلابية الإرهابية من الماضي.

وبعدما اتضحت خطورة الوضع في الخامس عشر من تموز/يوليو، كان على الدولة التركية اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على نظامها العام وأمنها، وذلك في إطار الدستور والقوانين ذات الصلة والالتزامات الدولية. وإعلان حالة الطوارئ لا يهدف إلى تقييد الحقوق والحريات الأساسية لمواطنينا، ولا إلى التنازل عن الديمقراطية وسيادة القانون، بل يهدف إلى محاربة تنظيم فتح الله غولن الإرهابي بشكل سريع وفعال، حتى تعود الأمور إلى طبيعتها في أسرع وقت.

وعلى الرغم من تمسكنا بكافة الالتزامات الملقاة على عاتقنا، إلا أننا أبلغنا المجلس الأوربي بإمكانية أن تسبب التدابير المتخذة خلال هذه المرحلة بإخراج التزاماتنا النابعة عن اتفاقية حقوق الإنسان الأوربية عن نطاق التطبيق. والإخراج عن نطاق التطبيق لا يعني التعليق أو الإيقاف المؤقت كما يدعي البعض. فالكثير من الدول الأعضاء في المجلس الأوربي، وآخرها فرنسا، استخدمت هذا الحق بعد الحصول على إذن بذلك من محكمة حقوق الإنسان الأوربية. وهذا الحكم كفيل بقيام الدول باتخاذ الإجراءات اللازمة دونما تأخير بغية حماية حقوق الإنسان في الأحوال الطارئة التي تهدد حياة شعوبها.

وعلى الرغم من إعلان حالة الطوارئ لمدة 90 يوماً، إلا أننا نهدف إلى استكمال مكافحة تنظيم "غولن" الإرهابي بنجاح وإنهاء حالة الطوارئ في أسرع وقت.

والخطوات والتدابير التي اتخذناها لغاية الآن واضحة للجميع، ولا يتم تنفيذها بدافع الانتقام السياسي، وإنما في إطار الانسجام مع الدستور والتشريعات التركية والتزاماتها الدولية. وبطبيعة الحال، يمكن للأفراد مراجعة القضاء فيما يخص حالة الطوارئ، طيلة فترة سريانها، بما فيها محكمة حقوق الإنسان الأوربية والمحكمة الدستورية.

ودأب حزب العدالة والتنمية، ومنذ تسلمه الحكم في تركيا في عام 2002، على تحقيق الانسجام القوي بين التشريعات التركية المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون من جهة، والضوابط والمعايير السائدة لدى المجلس الأوربي والاجتهادات الصادرة عن محكمة حقوق الإنسان الأوربية من جهة أخرى، وأنجز الكثير من حزم الإصلاح في هذا الخصوص. وكانت المواضيع المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وتطويرها وضمان سيادة القانون، متقدمة على الدوام على المواضيع السياسية. ولاقت سياسة عدم التسامح التي تتبعها تركيا في مواجهة التعذيب والمعاملة السيئة، ومنذ مدة طويلة، قبولاً كبيراً في تشريعاتنا وفي الأطر التنظيمية، حيث شكلت أنموذجاً مستحباً احتذت به الآليات الدولية المتعلقة بهذا الشأن منذ عام 2004. وتواصل تركيا تعاونها الوثيق مع كافة آليات حقوق الإنسان الدولية، وهي من الدول القليلة التي وجهت الدعوة تلو الأخرى لأجهزة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة منذ عام 2001 لزيارة تركيا.

وجميع هذه الأمور تشكل دليلاً واضحاً على عزم الدولة التركية على إنهاء هذه المرحلة الصعبة بشكل عاجل بما ينسجم مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، على عكس ما يدعيه أتباع تنظيم "غولن" الإرهابي المقيمين في خارج تركيا في حملات التشويه التي يشنونها. وفي حقيقة الأمر، لا يوجد لدى الدول الديمقراطية أي خيار آخر. ومنذ ليلة الخامس عشر من تموز/يوليو بدأ الشعب التركي بكافة أطيافه، ومن كافة التيارات السياسية، بالتجمع في الساحات العامة للمدن للإعراب عن تمسكه بالديمقراطية. كما اتحدت الأحزاب السياسية الممثلة في مجلس الأمة التركي الكبير من أجل الدفاع عن قيمنا الديمقراطية ونظامنا الدستوري، وترسيخ العيش المشترك في أجواء تسودها الديمقراطية، وينعدم فيها استقطاب الأوساط السياسية. وهذا الوضع يمنحنا المزيد من الأمل والثقة للاستمرار في الكفاح الذي تخوضه ديمقراطيتنا في مواجهة أعدائها.

يواجه العالم المتحضر مزيداً من المشاكل التي تواجه القيم الديمقراطية العالمية. حيث يتجسد التطرف في كافة أشكال العنف التي يعتبر الإرهاب أبشعها وأقساها. فتركيا التي تكافح وبعزم تنظيمي بي كا كا وداعش الإرهابيين، نجحت في صد وإحباط محاولة انقلابية كانت تهدف إلى النيل من ديمقراطيتها. وهذا الكفاح متواصل وهو يراعي القواعد الديمقراطية وينسجم معها بشكل كامل. كما يتوجب عدم الإسراع في عملية التقاضي خلال مكافحتنا لتنظيم "غولن" الإرهابي. وفي هذا السياق، فإنه من المؤسف أن يواجه الأتراك وأصدقاؤهم ممن يقيمون في الدول الأوربية، صعوبات كبيرة خلال تنظيمهم تظاهرات منددة بالانقلاب وداعمة للديمقراطية التركية. وفي هذه المرحلة التي تمر بها تركيا فإنها تنتظر من أصدقائها في الخارج تفهمها وإبداء التضامن معها. ولهذا السبب، ستبقى كافة قنواتنا مفتوحة أمام الحوار البناء على الدوام".

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى