رامي الجندي .. أمريكا والغرب كانوا ينتظرون نجاح الانقلاب وعلى الشعوب العربية دعم تركيا
مواكبة من موقع أنباء 24 للانقلاب العسكري الذي عرفته تركيا في الأسبوع الفارط، وما تبعه من تداعيات لازالت مستمرة إلى يومنا هذا، يستضيف الموقع في حوار حصري الأستاذ والباحث في العلوم السياسية والمعد للبرامج السياسية في قناة TRT العربية باسطنبول، رامي الجندي لتسليط الضوء على الوضع التركي بعد الانقلاب الفاشل .
بداية نرحب بك أستاذ رامي ضيفا على موقع أنباء 24، في هذا الحوار الذي نسلط فيه الضوء على الانقلاب الذي عرفته تركيا مؤخرا .
- ما هي قراءتك للانقلاب العسكري على أردوغان في هذه الظرفية التي صارت فيها تركيا قوة إقليمية، وبعد هجمات إرهابية متتالية؟
لاشك بأن التوقيت الذي حدثت فيه محاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا له أهمية كبيرة؛ حيث جاء بعد إعادة ترميم أو إصلاح للعلاقات الخارجية لتركيا مع عدة دول تضررت علاقتها معها؛ حيث أبرمت تركيا اتفاق إعادة العلاقات مع اسرائيل على إثر حادثة الاعتداء الاسرائيلي الارهابي على سفينة مافي مرمرة وقطعه للعلاقات الذي استمر ست سنوات؛ حيث قدمت اسرائيل اعتذاراً رسمياً إلى تركيا عبر رئيس وزرائها؛ وأيضاً قدمت التعويضات التي طلبتها الحكومة التركية للشهداء الذين سقطوا على متن السفينة برصاص اسرائيل وكذلك تم التخفيف من الحصار المفروض على قطاع غزة وهو أقصى ما استطاعت أنقرة التوصل إليه مع اسرائيل بالخصوص في ظل الوضع الافليمي والدولي الراهن.
كما جاء الانقلاب بعد إعادة العلاقات التركية الروسية على إثر حادثة إسقاط تركيا للمقاتلة الحربية الروسية والتي اخترقت المجال الجوي التركية بعد تحذيرها أكثر من مرة؛ حيث تضررت كلا الدولتين من الحادثة في مجالات كثيرة؛ ظروف الانقلاب تأتي أيضاً بعد وقت قصير من إعلان أنقرة سعيها لإقامة علاقات مع النظام المصري على مستوى خدماتي دون الاعتراف بشرعيته وهو الأمر الذي كان يؤكد عليه ولا يزال الرئيس التركي والمسؤولين الأتراك ؛ هذه التوقيتات وغيرها توحي بأن أطراف دولية تسعى إلى أن تبقى تركيا معزولة عن محيطها الإقليمي والدولي بعزلتها السياسية وعلاقاتها المتدهورة بسبب مبادئها من الأحداث الإقليمية وبخاصة الأزمة السورية.
- هل تعتقد أن دولا كانت لها يد غير مباشرة في هذا الإنقلاب الفاشل؟ أو بالأحرى من الدول المستفيدة من الانقلاب لو نجح؟
من المعلوم أنه من الأسباب اللازمة توافرها لنجاح أي انقلاب عسكري هو دعم خارجي من دول إقليمية أو دولية؛ وهذا الدعم يجب أن يكون سياسياً بمعنى الاعتراف بالانقلاب في لحظاته الأولى وهو ما يشكل إضعاف للجبهة الداخلية في بلد الانقلاب؛ كما يحتاج الانقلاب للنجاح دعماً عسكرياً لوجستياً؛ وبمراجعة للموقف الأمريكي من الانقلاب نجد بأن بيان السفارة الأمريكية في أنقرة إلى رعاياها يصف الانقلاب في لحظاته الأولى والمبكرة بأنه انتفاضة شعبية؛ وهذا يطرح علامات استفهام حول المعرفة و الرغبة المسبقة في نجاح الانقلاب؛ أيضاً التصريحات الأوروبية والتي لم تقم بإدانة الانقلاب الفاشل بل تحولت التصريحات إلى التحذير من بطش الرئيس أردوغان في محاسبة الانقلابيين والتهديد بتطبيق عقوبة الإعدام في تركيا كونها مخالفة لمبادئ أوروبا من الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان؛ ولكن يبدو أنهم يتناسون عمداً أن الانقلاب العسكري هو تعدي على حرية صناديق الانتخاب والديمقراطية التي ينادون بها.
اعتقد أن الأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت على صعيد المعلومات بخصوص المتورطين بالانقلاب من الخارج أو الداعمين له؛ وهو ما سيتسبب في تدهور في العلاقات مع بعض هذه الدول.
- ما تفسيرك لتأخر الدول الغربية والولايات المتحدة في إدانة هذه المحاولة الإنقلابية؟
اعتقد أن تأخر إدانة الدول الغربية للانقلاب دليل على أنها كانت تنتظر وتتوقع نجاح الانقلاب؛ وأن هذا التوقع ساد إلى حين ظهور الرئيس التركي والطلب من الشعب النزول إلى الميادين وحماية الدولة؛ النقطة الثانية هي أن حجم الانقلاب والمشاركين فيه سواء من قيادات الجيش أو القواعد العسكرية التي استخدمتها الطائرات في الانقلاب يوحي بأنه كانت لدى من كان يعلم بالانقلاب بأنه سينجح ؛ لكن الانقلاب فشل.
- اتهمت تركيا المعارض فتح الله غولن بالوقوف وراء هذا الإنقلاب، وسارعت أجهزة الأمن لاعتقال الألاف من جماعته، بين أساتذة وقضاة وأمنيين، في ظرف وجيز، ماهو تفسيرك، لردة الفعل هاته، والتي أثارت شكوك بعض المتتبعين؟
لاشك بأن جماعة فتح الله جولن قد شكلت كياناً موازياً لجسم الدولة خلال المرحلة السابقة حيث كانت في حلف مع حزب العدالة والتنمية منذ انتخابات عام 2007؛ وكان للجماعة مواقف غير مشرفة وضد السياسة التركية داخلياً وخارجياً؛ كما أن الجماعة تتمتع بالسرية المطلقة في أنشطتها وبين أفرادها؛ ولديها تغلغل في كافة الموسسات في تركيا وتواجد ضخم في دول العالم في كافة المجالات؛ وتتمتع بشبكة علاقات عامة وبرؤوس أموال كبيرة جداً؛ وكانت هناك أدلة لدى الدولة التركية حول تورطها في عمليات تنصت ضد الدولة لصالح دول خارجية؛ وقد كان لجهاز المخابرات التركي اليد الطولى في كشف هذه الجماعة؛ وبالتالي فإن بيانات كاملة كانت لدى أجهزة الأمن حول المتعاونين والمشبوهين؛ وحينما حدث الانقلاب الفاشل تم اعتقال كل من له علاقة بالتنظيم أو الكيان الموازي؛ بالاضافة إلى أن اكتشاف خطة الانقلابيين ومراسلاتهم والبيانات الخاصة بمحاولة الانقلاب وما تضمنته من أسماء مكن من التعرف على كثير منهم .
- هل تتوقع أن تسلم أمريكا غولن لتركيا بعد تقديمها دلائل على ضلوعه وتخطيطه للإنقلاب؟
جولن مقيم في أمريكا منذ العام 1999 بمحض إرادته؛ كما أنه يحمل الجنسية التركية وهناك دعاوى قضائية سابقة بإسقاط الجنسية التركية عنه؛ وليس من الأمر السهل أن تقوم الإدارة الأمريكية بتسليم جولن ببساطة؛ لكن أيضاً ليس متوقعاً أن لا تقوم بتسليمه حيث أنها في حلف استراتيجي مع تركيا منذ عشرات السنوات؛ وهناك اعتقاد بأن واشنطن كانت على الأقل على علم بالانقلاب وهي ترغب في أن لا تخرج أنقرة عن طوعها؛ وبالتالي ستسعى إلى عقد صفقة مع أنقرة مقابل تسليمها جولن؛ هذه الصفقة ربما تكون الأزمة السورية هي محورها؛ والأيام القادمة ستكشف عن المزيد من المعلومات.
- كيف ترى تركيا بعد هذا الانقلاب الفاشل، هل ستعيد رسم خريطة علاقاتها، خاصة تجاه و.م.أ والغرب ؟
بالتأكيد أن تركيا ما بعد الانقلاب لن تكون هي تركيا ما قبل الانقلاب الفاشل؛ وأن أنقرة ستعيد رسم سياساتها الخارجية حسب مواقف الدول الإقليمية والدولية من هذا الانقلاب؛ لا أحد من الدول الكبرى يشعر بالسعادة من دور تركي محوري دولي فاعل على الساحة الدولية؛ وتركيا موقفها مبدأي وأخلاقي من الثورة السورية والتي هي أحد محاور العداء لتركيا؛ تركيا ستكون أقوى بعد محاولة الانقلاب حيث ستسعى إلى تحصين جبهتها الداخلية أكثر سواء مع المعارضة السياسية التي تقف معها اليوم برغم الاختلاف في المواقف السياسية وهذه نقطة قوة للرئاسة والحكومة التركية؛ كما أن الشعب بغالبيته يساند الحكومة في إجراءاتها ضد الانقلاب والانقلابيين؛ أعتقد أن مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ستشهد تراجعا من طرف تركيا؛ وستقوم أنقرة بمراجعة لقاعدة انجيرليك العسكرية الأضخم في المنطقة؛ لكن كل هذه المراجعات ستكون بحذر شديد.
- كلمة أخيرة أستاذ رامي.
اعتقد بأنه مطلوب من الدول والشعوب العربية على حدٍ سواء دعم تركيا على كافة المستويات؛ لم يتبقى في المنطقة كدولة سنية وقوة يمكن الاعتماد عليها إلا تركيا بعد أن دمر الغرب وأمريكا المنطقة العربية ما بعد الثورات العربية منذ عام 2011؛ وتركيا لم تدخر جهداً في الوقوف بجانب الدول العربية والإسلامية وبخاصة بعد ثورات الربيع العربي.