حوارات

مصطفى حمور.. الصيام الحق هو ما جمع بين العبادة التامة والعمل المتقن والاجتهاد في إسعاد الآخرين

أنباء 24

في إطار الحوارات الحصرية التي يستضيف فيها موقع أنباء 24 العديد  من الشخصيات الفكرية والسياسية والفنية والرياضية والدعوية… ، لتسليط الضوء على القضايا المحلية والدولية، وبمناسبة شهر رمضان المبارك  حل موقع أنباء24 ضيفا على الأستاذ المحاضر والداعية مصطفى حمور، في هذا الحوار الحصري ،الذي أجاب فيه  عن العديد من الاسئلة المرتبطة بشهر رمضان المبارك.

نص الحوار:

  • ونحن على بعد أيام قليلة من شهر رمضان، شهر الصيام، كيف يستقبل المسلم عموما هذا الشهر الفاضل؟

أشكر موقع أنباء 24 على هذه الاستضافة الكريمة، واسأل الله الكريم التوفيق والسداد للقائمين عليه بما يقومون به من جهود إعلامية متميزة وهادفة.

رمضان هو شهر الله وكفى. وأكرم به من شرف أن يكون منسوبا إلى الله تعالى، وعلى قدر الضيف يكون الاستقبال والتضييف. أخرج ابن خزيمة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: "ماذا يستقبلكم وتستقبلون؟ ماذا يستقبلكم وتستقبلون؟ ماذا يستقبلكم وتستقبلون؟ فقال عمر بن ا:لخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله وحيٌ نزل؟ قال: لا. قال: عدو حضر؟ قال: لا. قال: فماذا؟ قال: إن الله يغفر في أول ليلة من شهر رمضان لكل أهل هذه القبلة، وأشار بيده إليها" .

كان النبي المعلم  صلى الله عليه وسلم  يرفع همم الصحابة ويشحذ عزائمهم ويبصرهم بالضيف الكريم وفضله ومكانته وما أعد الله فيه لعباده الصالحين. وكان الأصحاب الكرام على مستوى عال جدا من معرفة رمضان وقدره، وكانوا النموذج في الاستقبال والاحتضان والفرح بهذا الموسم العامر بأصناف الخيرات وأنواع المكرمات.

عن أنس رضي الله عنه أنه قال: "كان أصحاب النبي  صلى الله عليه وسلم  إذا نظروا إلى هلال شهر شعبان أَكَبُّوا على المصاحف يقرؤونها، وأخرج المسلمون زكاة أموالهم ليتقوى بها الضعيف والمسكين على صيام شهر رمضان، ودعا الولاةُ أهْلَ السجن، فمن كان عليه حدّ أقاموه عليه وإلا خلوا سبيله، وانطلق التجار فقضوا ما عليهم وقبضوا ما لهم. حتى إذا نظروا إلى هلال رمضان اغتسلوا واعتكفوا".  

الاستقبال كان حاشدا ومتميزا من قبل الأفراد: إعدادا لآنية القلب وتهييئا للجوارح والأعمال بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن الكريم ومعونة الفقراء والمساكين… كما كان الاستعداد من قبل الدولة المسلمة آنذاك بإقامة الحقوق والتعجيل بتطبيق الحدود وإصدار الأحكام،  وفي التعبئة العامة للجميع حتى يتهيأ الجميع لطاعة الله تعالى ولاستثمار هذه الفرصة الضخمة والموسم الكبير من قبل الأمة جميعا.

وانظر الآن إلى كيف يستقبل كثير من الناس رمضان -ولا أقول كلهم- تجد معظم الاستعدادات تدور حول مائدة رمضان وهذا لا بأس به لكن لا ينبغي المبالغة والتنافس الكبير.

أما الدولة فقد كان الاستقبال حافلا واستثنائيا بمهرجان موازين الفسق والفجور. وانظر إلى الاستعدادات الإعلامية الكبيرة بالمسلسلات والأفلام والبرامج غير الهادفة المفتقدة لمعاني الطهر والنبل والقيم الفاضلة والأخلاق السنية. والأنكى هو منع العمل الخيري والإحساني فيه وقد جعله الله للجود والكرم والعطاء.

الاستقبال الحق لرمضان أن أكون على الخير ودالا إلى الخير مع أهل الخير. ومن أعظم الخير تنقية القلب وتطهيره وتصفيته اتجاه الآخرين.  كيف يدخل رمضان وفي قلبي كل الحب والسماحة والصفاء لأخي في الإسلام وأخي في الإنسانية.

  • بناء على ما تفضلت، كيف يجب أن نصوم رمضان؟

هناك الصيام وهناك الصيام الحق، الصيام هو الإمساك عن شهوة البطن والجنس كما ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى. والصيام الحق وهو أعلى وأغلى وأجدى من ذلك وهو الذي جمع بين أمور ثلاث: صيام الجوارح وصيام العقل وصيام القلب.

 صيام الجوارح ومنه التعريف الذي ذكرت ومعه صيام اللسان عن الحصائد فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب، وصيام العين فلا خيانة ولا استراق لمحارم الله في البيت ولا خارجه وأعني في البيت مصيبة التلفاز والأنترنيت والمواقع غير الهادفة.

ومن الصيام أن تصوم اليد والرجل وكل الجوارح عن معصية الله تعالى ، فكل خلية تحتاج إلى صيام، وكل نفس من المؤمن ينبغي أن يكون صائما.

 يتحقق هذا الأمر بالكف  عن كل ما لا يحبه ربنا وتعالى وبالعمل بالصالحات صلاة في وقتها وقرآنا يتلوه المؤمن محافظا عليه وذكرا يجرى على اللسان وابتسامة تسكن الوجه، ويدا تساعد وتمد معاني البر والإحسان…

والمعنى الثاني للصيام: صيام الفكر والعقل عن الدخن الذي أصاب عقول الأمة من معاني الذل والهوان وتبرير الواقع والفقه المنحبس أو الدخيل اللقيط  مما يأتينا من الخارج من غير غربلة أو تصفية. صيام العقل حتى يكون نظرنا وتصورنا أصيلا من المعين الصافي والنبع الخالص مباشرة من مشكاة النبوة وطلب الحكمة حيثما كانت.

وقصدي أن أنبه إلى ما ينبغي أن يطلبه المؤمن عموما من العلم النافع المنشأ للعمل الصالح ولا ينبغي أن يكون إمعة تابعا وكفى.

والأمر الثالث الجامع لمعنى الصيام صدقا وحقا: وهو صيام القلب عن الاشتهاء وهذا هو طلبة الصيام وأفقه، وهو أن يكون القلب مستقرا لرحمة الله تعالى ومتشوقا لمعرفته ومتطلعا لمناجاته، لا يجد لهذا المعنى النفيس مزاحما ولا منافسا.

ميزة الصيام إن كان بشرطه هو صفاء القلب وعلو الوجهة إلى الله تعالى فقد جعل الكريم سبحانه الصيام له تعالى قال صلى الله عليه وسلم: " كل عمل ابن آدم له، قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه وشهوته من أجلي" الحديث متفق عليه.

الحد الأدنى للصيام هو صيام البطن والفرج. وأعلى منه صيام الجوارح خلقا وسلوكا حسنا. وأرقى من ذلك صيام القلب والسر وهو الصيام الحق.

  • هلا تفضلت أستاذ، باعطاءنا تعريفا مختصرا عن الصوم؟ وبعض آدابه؟

الصيام في اللغة: الإمساك عن الشيء، فإذا أمسك شخص عن الكلام، أو الطعام فلم يتكلم، ولم يأكل، فإنه يقال له في اللغة: صائم.  ومن ذلك قوله تعالى: {إني نذرت للرحمن صوماً} أي صمتاً وإمساكاً عن الكلام.

أما اصطلاحا:  فهو الإمساك عن المفطرات يوماً كاملاً، من طلوع الفجر، إلى غروب الشمس.

والقصد من الصيام هو التحكم وضبط الشهوات والغرائز التي أودعها الله في الإنسان خاصة الشهوة الجنسية والبطنية  حتى تكون شهوته هي، التعلق بالأعلى ولا أعلى من الأعلى سبحانه وتعالى.

والأمر بناء وتدرج، يبدأ المؤمن الصائم بفطم نفسه عن الطعام والشراب ومتعة الجسد، حتى يتأهل تأهلا كاملا للتحكم في النفس وإلجام زمامها فتكون مطمئنة إلى أمر الله تعالى، ثم يتطهر القلب تطهر كاملا من كل الحظوظ  الدنية والأطماع الأرضية فتغلب الأوصاف السنية الأوصاف الطينية فلا ينشغل القلب إلا بخالقه سبحانه وتعالى.

ولذلك يحرص المؤمن كل الحرص هذه الآداب القلبية والروحية للصيام أي يجعل عمله وصيامه لله تعالى، وعلى ذلك نبه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال فيما رواه النسائي: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، و من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" .

هذا الأدب العام وهناك آداب عملية وسلوكية ومنها ذكرا لا حصرا:

– السحور فإنها وجبة مباركة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة). متفق عليه. ومن الأفضل تأخيره إلى  مقدار نصف ساعة قبل أذان صلاة الفجر.

– الدعاء عند الإفطار فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد). رواه ابن ماجه. يدعو بهذا الدعاء: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) أو هذا (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت). والمطلوب من الصائم أن يجتهد في الدعاء لنفسه وأهله وأحبابه بالفوز والفلاح والرزق وسعادة الدارين، ولا ينس أبدا الدعاء لأمته الاسلامية بأن يرزقها النصر والتمكين.

– تعجيل الفطور لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر).

– الإفطار على رطب وإلا فعلى تمر وإلا فعلى ماء فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن فعلى تمرات فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء. 

– من الأمور المهمة كذلك: التعرف على أحكامه وآدابه وفضائله حتى نصوم على بينة وأساس.

– وليكن حال الصائم يوم ذاكر لله تعالى وليلة قائم بين يديه ناصحا لإخوانه دالا غيره لما يحب لنفسه ويرضى. يقول جابر رضي الله عنه: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم, ودع أذى الجار, وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك, ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء".

  • ما هي الأمور الأخرى المطلوبة في شهر رمضان، غير الطاعات من صلاة وصيام….؟

برنامج المؤمن في رمضان ينبغي أن يجمع بين الأعمال التعبدية والأعمال الدعوية حتى يحصل له التوازن وقد جمعتها في عشر أعمال أذكرها مركزة:

  1. تجديد النية وإصلاح الطوية: بالحرص على صفاء السر.
    قال ابن المبارك رحمه الله: "رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية"
    -2
    المحافظة على الصلوات الخمس في المسجد مع الحرص على الرواتب القبلية والبعدية
    فخير الأعمال كما قال صلى الله عليه وسلم الصلاة على وقتها.
    -3
    الحرص اليومي على صلاة التراويح: بالنهار الصيام وبالليل القيام.
    -4الاجتهاد في تعميق الصلة بالقرآن الكريم:  قراءة ومدارسة وعملا.
    والمطلوب ختمه مرات في رمضان. وهودأب الصالحين ورمضان شهر القرآن.
    5الذكر الكثير والدعاء الدائم: الاكثار من قول لا إله إلا الله بها يتجدد الإيمان في القلوب، والصلاة والسلام على خير الأنام -يوميا وليس مرة مرة بها- يتحقق الحب للجناب النبوي ثم استغفارا بالأسحار.والدعاء عنوان العبودية باب الله تعالى، وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان نداء يحتاج من المؤمن مبادرة واستجابة فورية.

-6التخلق بأخلاق رمضان: عن أبي هريرة عن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به فلا حاجة لله في أن يدع طعامه وشرابه" .
7
-حضور مجالس العلم والإيمان وصحبة الصالحين: من الصالحين نقتبس الإيمان ومعهم نتعاون على طاعة الله تعالى وفي مجالس العلم نزداد علما ومعرفة، ونبني عقلا سليما وفهما عميقا وتصورا أصيلا.
 -8الاعتكاف فرصة للتفرغ للعبادة والارتقاء الايماني والاعتكاف في رمضان خاصة في أواخر لمن تيسر له فرصة لانجماع القلب على الله تعالى والتفرغ أكثر لعبادة الله تعالى.
-9الجود والكرم والعطاء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من فطَّر صائماً، كان له مثلُ أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً".المساعدة والتعاون والإحساس بالفقراء والمساكين.

10-أن أكون مؤثرا مفيدا في مجتمعي: بدلالة الناس على  الخير والنصح اللطيف الرفيق   للغير.  قال صلى الله عليه وسلم: "من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله".

والاهتمام بما يجري والتأثير فيما يجري انتصارا للمظلومين ودعما للمكلومين، فإذا كان إفطار صائم بشق تمرة أو شربة ماء له من الأجر ماله فكيف بمن رفع الظلم عن الناس وأخذ حق المظلوم من الغاشم؟.

وجماع القول أن الصيام الحق هو ما جمع بين العبادة التامة والعمل المتقن والاجتهاد في إسعاد الآخرين. جعلنا الله من السعداء المسعدين.

  • كيف يحافظ المرء على أجواء رمضان، بعد رمضان؟

هذا سؤال في غاية الأهمية وهو سؤال الاستمرار، ولا ينبغي أن ينقطع العمل بعد رمضان بل التشمير والاستثمار.

ورمضان جعله الله كلية جامعة محققة لقصد عظيم وهو التقوى. والكريم سبحانه أراده مناسبة للصلح والرجوع مع الله تعالى ولذلك يكون منطلقا جديدا وفرصة كبيرة لتجديد العزيمة وشحذا للهمة.

والصحابة رضوان الله تعالى كانوا يصحبون معهم همة رمضان وروح رمضان وأجواءه الفياحة، فقد كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان! ثم يدعون ستة أشهر أن يتقبل منهم. فقد كانوا يستمرون على ما تدربوا عليه في رمضان صلاة وقياما وذكرا وعمل خير وحاديهم شوق أو ذوق.

تشتاق القلوب لرمضان  فيبعث فيهم ذلك الاشتياق حافزا إلى كل خير، ثم يتذوقون أكثر في رمضان معاني الماناجة الالهية ولذيذ المحبة للذات القدسية فيمتلؤون فيستمرون على خير العمل وعمل الخير.

قال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: "كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً".

ولهذا المؤمن بعد رمضان يكون له حظ من قيام الليل وصيام الأيام الفاضلة: الاثنين والخميس والأيام البيض وغيرها…. ويكون ملازما لكتاب الله تعالى والسعي بالخير بين الناس.

ومفتاح الاستمرار بعد الهمة العلية الصحبة الصالحة والرفقة المومنة. وقد قالوا: الصاحب ساحب.

نسأل الله تعالى أن يقيد لي كل منا صحبة تدله على الله تعالى وتجمع أطراف نفسه فتتحقق له سعادة الدنيا وسعادة اللقاء بالله تعالى في الدار الآخرة.

  • كلمة أخيرة؟

أشكركم مجددا وأسال الله تعالى لنا جميعا أن يهل علينا هذا الشهر العظيم بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وأن يحقق للأمة الاسلامية العزة والكرامة وأن يرفع عنا كل ظلم وضيم وفساد واستبداد وأن يكون لإخوتنا في كل البقاع نصرا وقوة.

والحمد لله رب العالمين.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى