ادريس اشويكة لأنباء24 :نعيش اليوم لخبطة كبيرة في مجال السينما والعرايشي يشتغل بسياسة باك صاحبي
أجرت جريدة أنباء24 الإلكترونية حوارا مطولا مع المخرج المثير للجدل إدريس اشويكة، المعروف بخرجاته وكتاباته الناقدة للجهاز السينمائي بالمغرب.
ويعد إدريس شويكة واحدا من أبرز المخرجين المغاربة، له أعمال سينمائية تلفزيونية كثيرة، منها أعمال نالت جوائز.
في هذا الحوار الذي يتزامن مع صدور أخر أعماله السينمائية وهو فيلم فداء، نلقي رفقة المخرج نظرة شاملة حول الوضعية السينمائية بالبلاد، يكشف فيها حقائق وينتقد فيها سلوكيات تؤخر من تقدم الفن السابع وتحد من مسيرته.
الجزء الأول
صدر لك قبل أيام آخر أعمالك السينمائية وهو فيلم فداء، ماذا يميز هذا العلم عن غيره؟
ما يميزه أولا، هو الاشتغال على الذاكرة وعلى فترة تاريخية محددة من السيرة التاريخية ديال المغرب..
وما يميزه على غيره، أصلا لا تتواجد أعمال كثيرة ومهمة حول فترة الحماية بشكل عام وفترة المقاومة المسلحة التي وقعت الاستقلال بالتحديد، وهناك تجربة لإدريس المريني في سنة 1984 أظن.. وبعض الأفلام السينمائية هذا ما أتذكره إن لم تخني الذاكرة، وهناك أيضا بعض الإرهاصات القليلة على شكل أفلام تلفزيونية والتي أشارت بشكل أو بآخر لتلك الفترة ولكن تبقى مجرد تلميحات وإشارات، لا يوجد يعني فيلم مبني أساسا على وقائع تاريخية في تلك الفترة بالضبط ما بين نفي الملك الراحل محمد الخامس والإعلان على استقلال البلاد في 18 نونبر 1955.
إذن هذا بالضبط هو ما يعالجه الفيلم "فداء"، حتى ولو أنه فيلم روائي تخييلي يحوي قصة "حب، خيانة، وصداقة" وفيلم اجتماعي بالدرجة الأولى ولكن المغزى الخاص بهذه الرواية يعتمد على المقاومة المسلحة ونشأتها وتطورها من 1953 إلى عام 1955 في هذه السنوات تقريبا التي غيرت ملامح المغرب واستطاعت تحرير البلاد ككل، بطبيعة الحال بتنسيق مع العائلة الملكية التي كانت في المنفى آنذاك والتي توجت بمفاوضات أرجعت للمغرب استقلاله كدولة قائمة بذاتها.
هذا ما يميز الفيلم، هو أنه لا يشير بالتلميح لهذه الفترة وإنما بالصورة والكلمة.
الا ترى أن السينما مقصرة في تناولها ومعالجتها لهذه الحقبة الهامة في تاريخ المغرب الحديث؟
نعم بطبيعة الحال هي مقصرة جدا لأنه نحن أصلا لا نشتغل على الذاكرة كثيرا، وهذا يرجع لسبب بسيط هو أنه لا يوجد اهتمام بالاشتغال على الذاكرة، وثانيا ليس هناك إمكانيات مادية تتيح الاشتغال على الذاكرة.
فالإشتغال عليها كما تعرف يتطلب إمكانيات مادية كبيرة، وخصوصا في السينما لأنه يتضمن إعادة تركيب الديكورات التي تغيرت، فمثلا فترة الخمسينيات لن تجد ديكورا يناسب تلك الفترة لأن كل شيء تغيرت ملامحه إلى آخره، إذن "خاصك تعاود تماكيي الديكورات الحالية" حتى يرجع إليها ذلك النفس والألوان و أجواء الخمسينات أو الستينات أو الأربعينات أو الفترة التي تود إبرازها، ثم الاشتغال على الملابس والآليات والتزيين والسيارات إلى آخره.
وكل هذا يتطلب إمكانيات مادية مهمة، ونحن الآن نشتغل أساسا بصندوق الدعم إذا لم يكن هذا الصندوق لا يمكن للمخرج صناعة فيلم في المغرب لأنه ليس لديه مساعدات أخرى..
أعطيك مثالا، من المفروض أن جميع القنوات التلفزيونية الوطنية المساهمة في إنتاج الأفلام السينمائية، حيث أن منذ خمس سنوات تقريبا دخل هذا النظام الجديد الخاص بدفاتر التحملات الذي ينص على أن التلفزيونات الوطنية سواء الأولى أو الثانية "2M" مفروض عليها المساهمة في إنتاج الأفلام السينمائية ولكن في الخمس سنوات الأخيرة اتضح أنه لا توجد إمكانيات.
والسيد المدير العام للقطب العمومي قرر بذاته عدم احترام هذا القانون ولم يحترمه لحد الآن، ولأول مرة مؤخرا منذ شهرين قالو "آآآ حكا خاصنا ندخلو في les appels d'offres ودارو appel d'offre يعني داك شي هزلي" كما يقال "كثرة الهم تضحك" فتلك الاشياء هزلية، قرروا أن يتولوا ست أفلام ولكن ليس كمساهمة في الإنتاج يعني شراء حقوق العرض لست أفلام في خمس سنوات، إذا قمنا بعملية حسابية في خمس سنوات الأخيرة بالمغرب كان يصنع ما بين 20 و25 فيلم، إذا افترضنا معدل 22 فيلم هي (22×5) هي 110 أفلام سينمائية طويلة والتي فقط سيشترون حقوق 6 أفلام منها، يعني -مثل ما قلت لك- أمور هزلية والقناة أيضا استعملت نفس الشيء. يعني مهزلة كبيرة ولا يوجد احترام للقانون أو الإرادة السياسية للسلطات العليا للبلاد، لا يوجد احترام لأخلاقيات المهنة …….
إذن نحن نعيش اليوم لخبطة كبيرة في مجال السينما والتليفزيون لا تتصور، وفي ظل هذه الظروف بلغنا مرحلة صرنا نقول "من صاب غير يخليو هداك الحد الأدنى لي كاين دابا".
كيف تقيم الواقع السينمائي بالمغرب؟
هناك الحالة العامة التي تعيشها السينما عموما، وهذه يدخل فيها كل شيء لأن هناك محاولات لخنق الإنتاج السينمائي والحد من انتشاره والحد من نمو السينما، هناك جهات سياسية معينة تملك هذا الهدف.
وهذا يشمل القطاع ككل، فكل شيء مهمش ولا أحد يشتغل… مثلا في جميع القنوات التلفزيونية العالمية، هذه القضية معروفة من أمريكا إلى بنغلاديش من يصنع الأعمال الروائية التلفزيونية هم السينمائيون إلا في المغرب، حيث نجد مسلسلات ونجد افلاما تلفزيونية يشرف عليها أناس لا علاقة لهم بالسينما إلا قلة قليلة جدا تتمثل في ثلاثة أو أربعة مخرجين أقل ما يصنعون مسلسلا او فيلما تليفزيونيا.
أما ما تبقى فدائما يأتي شخص لا تدري من حيث أتى، وتسمع أنه درس في بلجيكا وهذا حصل على دبلوم لا أدري ربما في "جزيرة الواقواق" وآخر لا أدري أين درس هذا المجال، يأتون يقدمون أعمالا ولكن السينمائيين دائما مهمشين..
لن تجد مثلا فيلما لمصطفى الدرقاوي أو عبد الكريم الدرقاوي أو عبد القادر لقطع، ولن تحلم به على التليفزيون نهائيا، ولكن ستجد أعمالا يوقعها أناس حتى لو أنك صحفي فلن تعرف من أين يجيؤون، يلزمك أن تلجأ إلى ال "إف.بي.آي" لتعرف من أين أتوا، هذا إذا استطعت أن تعرف ذلك.
المهم هذا مشكل عام، وهناك المشكل الخاص ويتمثل في أني منذ سنوات وقعت في سوء تفاهم مع "سي العرايشي" الرئيس المديرالعام للقطب العمومي؛ حيث أنه أتى بسياسة يسميها المغاربة باختصار "باك صاحبي" يعني هذا صاحبنا هذا معنا، ووضعوا لائحة سوداء تحتوي "فلان لا يجب أن يشتغل مع التلفزيون وهذا يشتغل، اتصلوا بهذا، أحضروا هذا، وأمدوا هذا…إلخ"
وبعد ثلاث سنوات أو أربع أقام هيمنة لهذه السياسة وصار يشتغل بها في التلفزيون، وتتجلى هذه السياسة في الرشوة أولا سيدة الموقف، إذ لكي تقوم بعمل يلزمك أن تترك شيئا من ذلك العمل، إضافة إلى المحسوبية والزبونية، وهذا إتصل بخصوصه فلان، وهذا أرغبتنا فيه فلانة.. وظل يشتغل هكذا لحد الآن حتى أصبحت مسألة عادية جدا.
حتى أن أبناء الدار قتلهم التليفزيون "الناس الذين صنعوه".
على سبيل المثال "محمد أقطيب" رحمه الله، وهو من الناس الذين قدموا أهم البرامج في تاريخ التلفزة المغربية "القناة الأولى" عندما جاء العرايشي "طحنوا"، وأيضا "سعيد بن تاشفين" طحنوا العرايشي وأنا زدني عليهم كذلك، هؤلاء أبناء الدار للأسف أما انا فكنت أتعامل كمستقل ولم أكن موظفا لديهم.
ومثلا هناك من هو ممنوع من الاشتغال مع القناة الأولى، وبعد أن أدخلوا "القناة الثانية" في القطب العمومي صاروا ممنوعين منها كذلك لأن "سليم الشيخ" اشتغل وفق سياسة العرايشي، إذن أصبحت هناك لخبطة وصارت مسألة تهم الأشخاص بالدرجة الأولى وليس القطاع، ولكن ينعكس على القطاع في حد ذاته.
ونتيجة ذلك هو ما نعيشه اليوم.